مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
من عادات القرآن (الكليات) -3-
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
25/08/2023 القراءات: 424
21. وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرازي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ} مِنْ سُورَةِ الْعُقُودِ [109]: «عَادَةُ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ أَتْبَعَهَا إِمَّا بِالْإِلَهِيَّاتِ وَإِمَّا بِشَرْحِ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ مُؤَكِّدًا لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ وَالشَّرَائِعِ».
22. وَمِنْهَا أَنَّ كَلِمَةَ (هَؤُلَاءِ) إِذَا لَمْ يَرِدْ بَعْدَهَا عَطْفُ بَيَانٍ يُبَيِّنُ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهَا يُرَادُ بِهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ} [الزخرف: 29] وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ} [الْأَنْعَام: 89].
23. وقال الشاطبي: «إذا ورد في القرآن الترغيب قارنه الترهيب في لواحقه أو سوابقه أو قرائنه، وبالعكس، وكذلك الترجية مع التخويف».
24. وقال ابن القيم: «وهذه طريقة القرآن يقرن بين أسماء الرجاء وأسماء المخافة، كقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] ».
25. 3- وقال: «وهو سبحانه إذا ذكر الفلاح علَّقه بفعل المفلح؛ كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}» (2) [المؤمنون: 1، 2] ».
26. 4- قال الشنقيطي: «قوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الأحقاف: 2] قد دلَّ استقراء القرآن العظيم على أن الله جل وعلا إذا ذكر تنزيله لكتابه أتبع ذلك ببعض أسمائه الحسنى [124] المتضمنة صفاته العليا».
27. 5- قال الشاطبي: «كل حكاية وقعت في القرآن فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها ـ وهو الأكثر ـ ردٌّ لها، أولاً؛ فإن وقع فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه، وإن لم يقع معها فذلك دليل على صحة المحكي وصدقه».
28. مثال الأول: قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 116].
29. ومثال الثاني: قول العزيز ـ فيما حكاه الله عنه ـ: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28].
30. وقول الهدهد ـ فيما حكاه الله عنه ـ: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23].
31. وقال ابن عطية: «سبيلُ الواجبات الإتيانُ بالمصدر مرفوعاً؛ كقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]. {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]. وسبيلُ المندوبات الإتيانُ به منصوباً؛ كقوله: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] ».
ولا تكون هذه الإطلاقات إلا بعد استقراءٍ للقرآن الكريم، وهذه الأحكام بعد الاستقراء إما أن تكون كلية لا تنخرم، وعليه فهي قاعدة مرجحة عند الاختلاف؛ لأن الاستقراء التام حجة، أو تكون منخرمة بأمثلة فيبيِّن المفسِّر هذه الأمثلة، وعلى هذا تكون الأحكام أغلبية، ويمكن الاستفادة منها في الترجيح.
وقد كان لمفسري الصحابة والتابعين ثم من جاء بعدهم عنايةٌ بهذه الكليات، وكان أول من ذُكِر عنه أنه جمعها في كتاب الإمام اللغوي أحمد بن فارس (ت:395هـ)، في كتابه الموسوم «بالأفراد»، وقد بقي من هذا الكتاب نقولات نقلها الزركشي في «البرهان في علوم القرآن»، والسيوطي في «الإتقان في علوم القرآن»، وكتاب «معترك الأقران»، وقد زاد السيوطي عليها شيئاً قليلاً.
وللراغب الأصفهاني في «مفرداته» اهتمام بهذه الكليات، وقد جمعها في الفهرس محقق المفردات «صفوان داوودي».
ولأبي البقاء في «كلياته» عناية بهذه الكليات، حيث ذكر تحت كل لفظة قرآنية كلياتها إن وجد».
وَقَدِ اسْتَوْعَبَ أَبُو الْبَقَاءِ الْكُفُوِيُّ فِي كِتَابِ «الْكُلِّيَّاتِ» فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِهِ كُلِّيَّاتٍ مِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَعَانِي الْكَلِمَاتِ، حيث ذكر تحت كل لفظة قرآنية كلياتها إن وجد.
وقد خصَّ الكليات بمبحثٍ في مقدمة كتابه (التحرير والتنوير) العلامة الطاهر بن عاشور وسماه: «عادات القرآن»، ويعد ابن عاشور هو أول من عقد للكليات عنواناً مستقلاً، ونبه على أهميتها للمفسر، وقد استقرأ بنفسه كثيراً من عادات القرآن في ألفاظه وأساليبه، وهذا ميدان جم الفرائد، غزير الفوائد، ثمين اللطائف، عظيم الأسرار.
وكليات القرآن خير معين للمتدبر والمفسر لكتاب الله تعالى، فهماً وتقييداً وتخصيصاً؛ كما أنها عون للفقيه من أجل الاستمداد منها فيما لا نهاية له من القضايا والمستجدات التي تطرأ على حياة الناس، وهذا مما امتازت به شريعة الإسلام على غيرها من الشرائع.
طريقة القرآن، عادات القرآن، كل حكاية، استقراءٍ للقرآن، كليات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع