مدونة الدكتور محمد محمود كالو


العَجُّ والثَّجُّ في مناسِكِ الحَجّ: دروس وحكم

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


30/06/2022 القراءات: 793  


العَجُّ والثَّجُّ في مناسِكِ الحَجّ: دروس وحكم

إن في تشريع الحج حِكماً كثيرة ودروساً بليغة، منها:

تحقيقُ التوحيد لله عز وجل، فهذه التلبية التي يرددها الحجاج أثناء مناسكهم تتضمن معنى التوحيد الذي هو أساس الدين وقوامه، كما تتضمن البراءة من الشرك بكل صوره وشتى أنواعه و أشكاله.

ومن حكم الحج ذكر الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَأَذّن فِي النَّاسِ بِالحَجّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ, يَأتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ, لّيَشهَدُوا مَنَـافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ, مَّعلُومَـاتٍ, عَلَى مَا رَزَقَهُم مّن بَهِيمَةِ الأنعَامِ فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ} [الحج: 27، 28]، فذِكر الله هو أول المقاصد التي أرادها الله من هذه العبادة، حيث أراد أن ترتبط القلوب به خلال أيام الحج، والنبي عليه الصلاة والسلام لما لحظ على بعض الناس أنه تساهل في أمر التلبية، أو تساهل في أمر الهدي، قال: (أَفْضَلُ الحَجِّ العَجُّ والثَّجُّ) [رواه البخاري]، العَجُّ: رفع الصوت بالتلبية والذكر، والثَّجُّ: إراقة دماء الهدايا والنسك.

ومن دروس الحج وحِكَمه الاستسلام والامتثال لأمر الله، وهو ما يتربى عليه الحاج في عدد من شعائر الحج، وذلك نراه في امتثال الحجاج وقيامهم بالكثير من العبادات التي قد لا نرى وجه الحكمة فيها، كالطواف والسعي وكونهما سبعًا، والابتداء بالطواف من الحجر الأسود بعد تقبيله أو استلامه أو الإشارة إليه، وبداية السعي من الصفا، ورمي الجمرات بسبع حصيات. كل ذلك يصنعه الحاج عبودية لله تعالى وامتثالاً لأمره واستسلامًا لشرعه.

ومن حكم الحج و دروسه كذلك ما جاء في قول نبينا عند كل منسك من مناسك الحج، مخاطباً الصحابة وأمته: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) [رواه مسلم]. وهذا ليعلم المسلمون وليتذكروا وليستيقنوا أنه لا سعادة ولا نجاح ولا توفيقَ ولا سدادَ في هذه الحياة الدنيا ولا في الآخرة إلا باتباع النبي، والسير على طريقته ومنهاجه، والأخذ بهديه وسنته في الاعتقاد والأعمال، وفي الحكم والتَّحاكم، وفي الأخلاق والسلوك.

ومن دروس الحج أيضًا تذكر يوم الحشر الأكبر، فأنت لما ترى ذلك الحشد الكبير من الناس على اختلاف حالهم وأصلهم، فقيرهم وغنيهم، قويهم وضعيفهم، حاكمهم ومحكومهم، عربيهم وأعجميهم، أبيضهم وأسودهم، كلهم بلباس واحد، ويرددون كلامًا واحدًا، فهذا المشهد العظيم يذكر بيوم يحشر فيه الناس إلى ساحة المحشر.

ومن حكم الحج ودروسه كذلك إغاظة الأعداء، من ذلك الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل في الطواف وفي السعي إظهارا لقوة المسلمين، ونحن نصنعها تأسيًا بنبينا.
ولا شك أن اجتماع المسلمين في الحج رمز لإظهار الوحدة والقوة، قال أحد المستشرقين من دعاة التنصير: "سيظلّ الإسلام صخرةً عاتية تتحطّم عليها سفن التبشير ما دام للإسلام هذه الدعائم: القرآن، واجتماعُ الجمعة، ومؤتمر الحج".

والحق ما شهدت به الأعداء، فإن موسم الحج أو مؤتمر الحج كما سموه يبعث ويغرس في المسلمين روح الوحدة والترابط، والاجتماع والائتلاف، وكيف لا يجتمعون ولا يتوحدون وربهم واحد، و دينهم واحد، ونبيهم واحد، وهم على قبلة واحدة، مناسكهم واحدة، لباسهم واحد، وشعارهم واحد. لهذا كان موسم الحج رمزاً للقوة وعبرة للوحدة، ويا ليت المسلمين استفادوه منه، ولكن هيهات هيهات.


الحج، العج، الثج، الحج حكم، دروس، الوحدة والقوة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع