مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


" إن الله يحب مَعالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفسافها "

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


26/01/2023 القراءات: 2181  


معالي الأمور .. لا قشور
ثبت عن الحسين بن عليٍّ رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله يحب مَعالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفسافها " .
أما معالي الأمور فهي الأخلاق الشرعية، والخصال الدينية، لا الأمور الدنيوية فإن العُلُوَّ فيها نزول.
وأما السَّفاسِف فواحدها السَّفْساف: الأمر الحقير، والرديء من كل شيء، وهو ضد المعالي والمكارم، وأصلُه: ما يطير من غُبار الدقيق إذا نُخِل، والتراب إذا أُثير.
والسَّفساف من الشِّعْر: رَدِيئُه، وأَسَفَّ: تتبع مَدَاقَّ الأمور، وطلب الأمور الدنيئة .
واعلم -رحمك الله- أن ما نطق به النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمور الدين {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وأن كل ما تعرض له بأمر أو نهي فهو من معالي الأمور، وأن من وصف شيئًا من ذلك بوصف يوهم الِإزراء أو التنقص فقد أعظم على الله عز وجل الفرية، وَعرَّض نفسه لغضب الله وعقوبته وانتقامه، نعم هناك في قضايا الدين أصول وفروع، كليات وجزئيات، أهم ومهم، لكن هذه القضايا كلَّها على اختلاف مراتبها وأولويتها من المعالي ليست من السفاسف في شيء، فَمِن ثَمَّ اشتد نكير العلماء على من أطلق مثل هذه العبارات الفَجَّة، وأَفْتَوْا بزجره وتأديبه:
فقد سئل سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: هل يجوز أن يقول المكلف: " إن الشرع قِشرٌ، علم الحقيقة لُبُّه "، أم لا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
(لا يجوز التعبير على الشريعة بأنها قشر من كثرة ما فيها من المنافع والخير، وكيف يكون الأمر بالطاعة والِإيمان قشرًا، وأن العلم اللقب بعلم الحقيقة جزء ومن أجزاء علم الشريعة؟! ولا يُطْلِق مثلَ هذه الألقاب إلا ْغَبيٌّ شَقيٌّ قليلُ الأدب! ولو قيل لأحدهم: " إن كلام شيخك قشور "، لأنكر ذلك غاية الِإنكار، وَيُطْلِقُ لفظَ القشور على الشريعة؟!، وليست الشريعة إلا كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فَيُعَزَّرُ هذا الجاهل تعزيرًا يليق بمثل هذا الذنب) اهـ.
وقال الِإمام العلامة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى: ( .. وقولهم: " من أهل القشور " إن أراد به ما الفقهاء عليه من العلم ومعرفة الأحكام؛ فليس من القشور، بل من اللُّبِّ، ومن قال عليه: " إنه من القشور "؛ "استحقَّ الأدب، والشريعة كلُّها لُباب) اهـ.

الخاتمة
وهكذا أخي المسلم ينبغي أن نذب عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو لباب كُلُّه لا قشور ولا نخالة فيه، ونقول: إنما القشور فيما خالف هديه، وإنما النخالة في المبتدعين الذين عظَّموا ما حقَّره، واستصغروا ما كبَّره، وأهدروا ما اعتبره، واعتبروا ما أهدره، ووضعوا ما رفعه، ورفعوا ما وضعه، وليكن لنا أسوةٌ في الأصحاب رضي الله عنهم أولي الألباب، الذين لم يعرفوا هذه البدعة المحدثة، ولم ينقسموا إلى أهل جوهر ولباب، وأهل قشور ونخالة، كما زعم أصحاب الجهالة:
دخل عائذ بن عمرٍو -وكان من صالحي أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) - على الخبيث الجريء عبيد الله بن زياد، فقال: (إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "شَرُّ الرِّعاء الحُطَمَةُ" فإياك أن تكون منهم، فقال: اجلس إنما أنت من نُخَالَةِ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال: وهل كانت لهم -أو فيهم- نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) .
وهذا آخر ما تيسر جمعه في هذا الباب، ونسأل الله تعالى العصمة من الزلل، والسدادَ في القول والعمل، وصلي الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
...


" إن الله يحب مَعالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفسافها "


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع