مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
18/04/2023 القراءات: 364
سلسلة أمهات المؤمنين
خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)
إن بيت النبوة هو أجل البيوت وأطهرها، وإن كان لنا في رسول الله أسوة حسنة فلنا في حياته وفي بيته وسط أسرته النصيب الأكبر منها، تلك الحياة التي أنشئت على طاعة الله، فكانت نساؤه توفرن له حياةً هنيئة، وجواً إيمانياً صافياً، ويحملن معه هم الدعوة، ويسعين إلى إيصالها إلى الناس، فأكرمهن الله تعالى وجعلهن أمهات للمؤمنين، قال سبحانه وتعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) [الأحزاب 6]. ولنا في أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عبر كثيرة، وحياة يحتذى بها، ففي عهدها بُعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمةً للعالمين، وفي عهدها تنزّل عليه الوحي، فساندته وآزرته وصدقته وآمنت به حين كذبه الناس، ووفرت له الصفاء والسكينة، وكانت له خير معين. لله درها من أم يقتدى بها! لله ما أعظم أجرها! إنها بحق سيدة نساء العالمين.
نسبها
كان والدها سيد قومه وعشيرته، يطيعونه ويهابونه، ويحترمون رأيه ويقدرونه. ولقد حفظت قريش له شجاعته عندما تصدى لـ”تبّع” (ملك اليمن) حين أراد أن يحمل معه (الحجر الأسود) إلى بلاده، فمنعه من ذلك، فنصبته قريش عليها زعيماً، لا ينازعه في ذلك أحد.
وكان له ابن أخ اسمه ورقة اشتهر بين الناس بالحكمة وسداد الرأي، وهو أحد أربعة خاصموا قريشاً في وثنيتها وعبادتها للأصنام، ولما لم تستجب لهم اعتزلوها وما تعبد من دون الله.
ولادتها
تزوج خويلد من فاطمة بنت زائدة بن الأحم، القرشية، أجمل سيدات مكة وأكثرهن صباحة وجه، وروعة حسن، فولدت له “خديجة” (رضي الله عنها)، قبل عام الفيل بخمسة عشر عاماً تقريباً فكانت صورة عن والدتها، كما ورثت عن والدها خويلد الحزم والذكاء، واكتسبت من ابن عمها ورقة العلم والحكمة.
نشأتها
نشأت خديجة (رضي الله عنها) في بيت طاهر طيب الأعراق.
وعن زواجها يقول الزهري: «تزوجت خديجة بنت خويلد بن أسد قبل رسول الله رجلين الأول منهما عتيق بن عايذ… فولدت له جارية وهي أم محمد بن صيفي المخزومي ثم خلف على خديجة بعد عتيق بن عايذ أبو هالة التميمي وهو من بني أسيد بن عمر فولدت له هالة وهند» ولما توفيا الواحد بعد الآخر انصرفت إلى تربية أولادها وكانت معروفة بين القاصي والداني بلقبي” الطاهرة” و”سيدة قريش”.
في ميدان التجارة
لقد عملت خديجة (رضي الله عنها) في ميدان التجارة واستطاعت أن تؤسس في مكة بيتاً مالياً ضخماً، أصبح من بعد علماً عليها، يعرف بها، ورحلت قوافلها تمضي مصعدة إلى الشام، أو هابطة نحو اليمن، تحمل من الأسواق ما يدر عليها الربح الوفير والمال الكثير.
الأمين على تجارة خديجة
قال ابن إسحق: «كانت السيدة خديجة امرأةً تاجرةً ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها تضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، فلما بلغها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بلغها، من صدق حديثه، وعِظَم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، وعرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التُجَّار، مع غلامٍ يقال له ميسرة».
وعن نفيسة بنت منية قالت: «لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمساً وعشرين سنة، وليس له بمكة اسمٌ إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير، قال أبو طالب: يا ابن أخي أنا رجلٌ لا مال لي، وقد اشتدَّ الزمان علينا، وألحَّت علينا سيول مُنكرة، وليست لنا مادةٌ ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيرها، فيتجرون لها في مالها، ويصيبون منافع، فلو جئتها وعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضَّلتك على غيرك لما بلغها عنك من طهارتك، وإن كنت أكره أن تأتي الشام، وأخاف عليك من اليهود، ولكن لا نجد من ذلك بداً. ولكن غلب على النبي الكريم حياؤه وعزة نفسه، فقال لعمه أبي طالب: لعلها ترسل إلي في ذلك، فقال أبو طالب: أخاف أن تولي غيرك فتطلب الأمر مدبراً -أي تفوتك الفرصة- فافترقا. وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له، وبلغها قبل ذلك ما كان من صدق حديثه وعظم أمانته فقالت: ما علمت أنه يريد هذا، ثم أرسلت إليه فقالت: إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك. ففعل عليه الصلاة والسلام، ثم لقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك فقال: إن هذا لرزق ساقه الله إليك».
لكن أبا طالب كان شديد القلق على ابن أخيه، الذي كان قد وصاه به خيراً الراهب بحيرا. فأتى إلى ميسرة غلام خديجة يوصيه بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وإزاء ذلك تركز اهتمام ميسرة على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يراقبه ويرعاه، تنفيذاً لوصية أبي طالب، ولقد رأى ميسرة من أمر محمد العجب العجاب: شخصية خارقة، وخلق دمث، وكلمة متزنة، ومشية كلها وقار، وحديث كله عذوبة، وأمانة ما بعدها أمانة، وصدق بالغ، وحنكة ودراية يعجز عنها فحول التجار.ورأى ما لا يمكن أن يُستهان به، أو يمر به مرور الكرام!! رأى السماء تظله بظلها حين يشتد لهيب الشمس، وغمامة تتبعه في تنقلاته وتحركاته لتحميه من القيظ الشديد. وعندما آوى مرة إلى شجرة ليستريح في بعض ظلها… أورقت… واخضرت وزهت. لقد كان ما يراه ميسرة من أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) غير مألوف بالنسبة إلى الناس، فازداد حرصه عليه، ورعايته له، في الحل والترحال.
العودة الميمونة
عندما عادت القافلة إلى البلد الحرام (مكة المكرمة) وقد ربحت بضاعتها، وكثرت عليها، وكان ربحها كثيراً وفيراً… وعندما أذن مؤذن العير بالوصول، قامت “خديجة” على غير عادتها إلى سطح دارها ترقب القافلة، واللهفة بادية على وجهها. وبكلمة وجيزة وأدب جم ووقار باسم أفضى “محمد” إلى “خديجة” بوقائع الرحلة.
وبعد انصرافه (صلى الله عليه وآله وسلم) من عندها حدثها غلامها ميسرة عن البيع والشراء والربح الوفير الذي يفوق أضعاف ما كانت تكسبه في المرات السابقة، وحدثها عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي في كل ذلك سماعة له مصغية بأذنيها وعواطفها…، تستزيده فيزيدها… فينشرح صدرها وقلبها.
سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة