مدونة د. محمد ناجي عطية


منهجية التعامل مع خلافات فرق العمل الجماعي

محمد ناجي عبد الرب عطية | Mohammed Nagi Abdulrab Atiah


26/07/2020 القراءات: 3086  



قد يتلوث إناؤك النادر الذي بذلت في شرائه ثمنا باهظا، وعانيت كثيرا من أجل اقتنائه والحصول عليه، وكان مقدار ما إصابة من تلوث كبيرا وإزالته مكلفة، وربما بعد كل جهود التنظيف لن يعود إلى طبيعته السابقة ولكن قريب منها الى حد مقبول.

ففي هذه الحالة، المنطق يفرض طريقتين في التعامل مع هذا الإناء؛ الأولى: اليأس من إمكانية إزالة الأوساخ، والنتيجة يأتي قرار التخلص النهائي والاستغناء، والثانية: التنظيف قدر المستطاع والاستفادة قدر الإمكان، بالنظر الى قيمته الباهظة ومكانته العالية، والنتيجة يأتي قرار الحرص على الاحتفاظ به ولو لم تزول أوساخه تماما، طالما تحققت الاستفادة بدون أضرار كبيرة.

أتوقع أن الطريقة الصحيحة في المعالجة هي الثانية، لان تكلفة التنظيف وإعادة الاستخدام، ستكون أقل بكثير من تكلفة التخلص والإلغاء والاستغناء التام، ناهيك عن الضرر المستدام الناتج عن عقلية التفكير الصفري أو العدمي بالتخلص من الأواني حال تلوثها، فإنها بذلك ستتلاشى شيئا فشيئا حتى تنعدم، يعقبها ولابد في المقابل دفع أثمان باهظة أخرى في تعويضها وبنفس المواصفات أو قريب منها.

إذا اقتنعت معي بوجاهة الفكرة السابقة، فهذا مدخل يقودنا الى منهجية التعامل المتوازن مع القضايا الخلافية العميقة التي تحدث بحكم الطبيعة البشرية في فرق العمل الجماعي أو أي تجمعات بشرية حتى في مرافق العمل أو في الأسرة الواحدة.

والضابط في ذلك أن كل الناس معرضون للأخطاء بحكم طبيعتهم البشرية، وقد تكون الأخطاء التي تصدر منهم فادحة في بعض الأحيان، ولذلك يجب التعامل بواقعية مع الطبيعة البشرية التي تتطلب قدرا كبيرا من المرونة في التعاطي مع هذه الانحرافات بشتى مستوياتها وأنواعها، والشرط المعتبر في هذه الحالة أن يتم هذا التعاطي معها وفق مبدأي "المصلحة والمفسدة " و "لا ضرر ولا ضرار"؛ والمقصود؛ لا ضرر يقضي على المخالف، ولا ضرار يفتُّ في مصلحة المجموع.

أمثلة/

قد ينشب خلاف شديد بين أعضاء فريق العمل، وتختلف كثيرا وجهات النظر، وربما مع العمق في هذا الخلاف يتأثر استمرار عمل الفريق بكفاءة وفعالية مستقبلا، خاصة مع تعذر فرص التوصل إلى قواسم مشتركة بين الجانبين. مما يجعل قيادة الفريق مجبرة على اتباع إحدى الطريقتين المذكورة آنفا: أما الإلغاء والإقصاء للمخالف، وإما التصحيح والتصليح وبذل كل الوسع في فض النزاع حرصا على استمرار التعاون ولو في حدوده الدنيا مهما كانت كلفة جهود الإصلاح طالما أنها ستحافظ على تجانس معقول للفريق بمبادئه الأساسية ودون انحراف واضح وجلي عن مساره المرسوم وأهدافه وغاياته.

وقد ينشب خلاف بين مسئول في منظمة ما وبين أحد الموظفين ممن تعبت عليهم المنظمة وبلغت كلفة تأهيلهم وتراكم خبراتهم مع السنين المبالغ الكبيرة ماديا ومعنويا. فالمسئول في هذه الحالة أمام أحد القرارين، إما التوافق والوفاق ومنع الفراق، والمحافظة على رصيد الخبرات والمعارف والمهارات التي يمتلكها الموظف، وإما التضحية بكل ذلك إمعانا في التفكير العدمي دون تصور العواقب الوخيمة لهذا القرار.

إن القرار الأخير الذي اتخذه المسئول إذا كان دافعه ليس موضوعيا، فستكون كلفة الموظف البديل الذي يفترض أن يحل محله بعد أن يصل الى مستواه وبعد سنوات من الجهد والتطوير ربما يكون أكثر بكثير من كلفة قرار إبقاء الموظف السابق.

وقد يخالف أحد أبناء الأسرة مخالفة شديدة أو انحرافا ربما يكون خطيرا، فالأسرة حينها ستقف نفس الموقفين وتفكر بإحدى الطريقتين؛ وتتخذ أحد القرارين، إما الطرد والتبرؤ، وإما قرار المحافظة والإبقاء، حرصا على وحدة الأسرة وبقاء ألفتها واجتماعها وحماية سمعتها ومكانتها في المجتمع بأي مستوى مقبول.

وهذا القرار لابد ان يكون مصحوبا بمنهجية تصحيح ما يمكن تصحيحه، تفاديا للوقوع في كارثة دفع الأثمان الباهظة للاستغناء والطرد للفرد المخالف والذي لا يمكن أن يعوضه شيء، لأن هذا يعني الضياع والتشرد بما تحمل هذه المعاني من سوء، وربما يولد هذا السلوك حقدا دفينا مصحوبا برغبة عارمة في الانتقام. ولا يخفى على المتأمل الحصيف كلفة هذا الخيار التعيس ليس على الأسرة فحسب ولكن على المجتمع ككل.
________________________________________

الموقع الرسمي للكاتب https://cutt.ly/csky39p


العمل الجماعي - الخلاف - الخلافات - فرق العمل - منهجية حل الخلافات - د . محمد ناجي عطية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع