مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


10 - بين ابن عباس وبعض الصحابة في معنى سورة النصر

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


27/12/2022 القراءات: 672  


10 - بين ابن عباس وبعض الصحابة في معنى سورة النصر
روى البخاري والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لِمَ تُدخلُ هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَنْ علمتم.
فدعاه ذات يوم فأدخله معهم. قال ابن عباس: فما رُئيت أنه دعاني يوماً إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْح}، فقال بعضهم: أُمرنا بأن نحمد الله ونستغفره، إذا جاء نصرنا، وفَتَح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً.
فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أَجَلُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له. فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلك: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
فقال عمر: ما أعلم إلا ما تقول.
إن ابن عباس من خلال هذه الحادثة، يتعمق النظر في السورة، ولا يقف عند ظاهر ألفاظها، ولم يكتف بالمعنى الظاهري، الذي يدركه كل من نظر فيها.
إنها تنعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، إن عمره في هذه الدنيا مرهونٌ برسالته، ووقفٌ على دعوته. وطالما أن رسالته قد تمَّت، وأن دعوته قد انتصرت، وأنه جاء نصر الله والفتح، وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فقد انتهت مهمته ورسالته عليه السلام، وبانتهائها ينتهي عمره - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحياة.
وقد وافق عمرُ ابنَ عباس على هذا الاستنتاج اللطيف من الآية، واعتمد كلامه حولها بقوله: " ما أعلم منها إلا ما تقول ".
وصدق القائل بشأن الوقوف على المعاني في التفسير: إنها مثل الصيد، وإن المفسرين مثل الصيادين. فمنهم من يصيد عن قُرب، ومنهم من يصيد عن بُعد، ومنهم من يصيد العادي، ومنهم من يصيد الثمين.
11 - ابن عباس يزيل التعارض الموهوم بين النصوص
روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل لابن عباس فقال: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ. قال: ما هو؟.
قال: قال الله: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلايَتَساءَلون}، وقال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلون}.
وقال: {لا يَكْتُمونَ اللهَ حَديثاً}، وقال: {وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَا مُشْرِكين}، وقد كتموا في هذه الآية.
وفي النازعات: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}. فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ثم قال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}. فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء.
وقال: {وَكانَ اللهً عَزيزاً حَكيماً}، وقال: {وَكَانَ اللهُ سَميعاً بَصِيراً}، فكأنه كان، ثم مضى.
قال ابن عباس: فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى، ينفخ في الصور فيُصعق مَنْ في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون. ثم في النفخة الثانية: أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.
وأما قوله: {وَلا يَكْتُمونَ اللهَ حَديثاً}، و {وَاللهِ رَبِّنا ماكنّا مُشْرِكين}، فإن الله يغفر لأهل الإِخلاص ذنوبهم، فيقول المشرك: تعالوا نقول: ما كنا مشركين، فيختم الله على أفواههم، فتنطق جوارحهم بأعمالهم. فعند ذلك عرف أن الله لا يُكتَم حديثاً. وعنده: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (1).
وخلق الأرض في يومين، ثم استوى إلى السماء فسوَّاهنَّ سبع سموات في يومين آخرين. ثم دحى الأرض، أي بسطها، وأخرج منها الماء والمرعى، وخلق منها الجبال والأشجار والآكام وما بينهما في يومين آخرين. فذلك قوله: {وَالْأرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها}، فخُلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخُلقت السماء في يومين.
وقوله: {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، سمَّى نفسه ذلك، أي: لم يزل، ولا يزال كذلك، وإن الله لم يُرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد.
ويحك. فلا يختلف عليك القرآن، فإن كُلاً من عند الله.
ونحن نتحفَّظ على بعض توجيهات ابن عباس - رضي الله عنهما - في التوفيق بين الآيات المتعارضة في ظاهرها. وبخاصة حديثه عن مدة خلق الأرض والسماء وأيهما خلق أولاً.
__________
(1) ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - في خلق السماوات والأرض هو ما عليه المحققون، ولا أدري على أي شيء يعترض المؤلف. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).
ولا يسمح المقام بالكلام المفصل حول هذا.


10 - بين ابن عباس وبعض الصحابة في معنى سورة النصر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع