مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة بدر الكبرى (8)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


01/03/2023 القراءات: 463  


لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة استشار أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر رضي الله عنه ‏:‏ يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعَشِيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عضدًا‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‌‏(‏ما ترى يابن الخطاب‏؟‌‏)‏ قال‏:‏والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننى من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه، وتمكن عليًا من عَقِيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين‏.‏ وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم‏.‏

فأشار أبو بكر رضي الله عنه بأخذ الفدية وأشار عمر رضي الله عنه بقتلهم ،فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه بقبول الفدية ، وأخذ منهم الفداء‏ ،فلما كان من الغد قال عمر رضي الله عنه‏:‏ فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت‏:‏ يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك‏؟‏ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‌‏(‏أبكى للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة‏)‏ ـ شجرة قريبة‏.‏

وأنزل الله تعالى‏:‏ {‏مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏67، 68‏]‌‏.‏ فنزلت الآية الكريمة في موافقة رأي عمر رضي الله عنه

وبذلك أحل لهم ما أخذوه من الفداء بعد أن عاتبتهم الآية في تفضيل الفداء على عقوبة أئمة الكفر ، فقد نهى الله سبحانه وتعالى عن اتخاذ الأسرى قبل الإثخان في قتل هؤلاء الكفار ،لأن عداوتهم للإسلام متمكنة في نفوسهم ولو ظفروا بالمسلمين لقضوا عليهم ،وهذا الحكم كان في أول الإسلام ثم جعل الخيار للإمام بين القتل أو المفاداة أو المن عليهم بدون فداء، ماعدا الأطفال والنساء إذ لا يجوز قتلهم


وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الفداء، وقد تباين الفداء فمن كان ذا مال كان فداؤهم على قدر أموالهم من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، ومن لم يستطع افتداء نفسه وكان يحسن القراءة والكتابة كانت فديته أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين ،ومن الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض الأسرى فأطلقهم بغير فداء

ومنّ على خَتَنِه(زوج ابنته ) أبي العاص بشرط أن يخلى سبيل زينب رضي الله عنها وكانت لاتزال عنده في مكة ، وكانت قد بعثت في فدائه بمال و بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة رضي الله عنها أدخلتها بها على أبي العاص حين بني عليها (تزوجها)، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، و قال :"إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها ،وتردوا عليها الذي لها فافعلوا "
قالوا : نعم يارسول الله ،فأطلقوه وردوا عليها قلادتها إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص أن يخلى سبيل زينب، فخلاها فهاجرت، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار، فقال‏:‏ ‌‏(‏كونا ببطن يَأجَج حتى تمر بكما زينب فتصحباها‏)‏، فخرجا حتى رجعا بها‏.‏

ولم يكن هم المسلمين أخذ المال من هؤلاء قدر إضعافهم معنويا، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو كان مطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)
وقد أراد الأنصار إعفاء العباس رضي الله عنه من دفع الفدية فهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم وجدته نجارية(من بني النجار)، فأبى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: "لا تذرون منه درهما"
فليست هناك محاباة ولو مع عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الكل سواء أمام حكم الله ورسوله. رغم أنه أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان مسلما وقد أكره على الخروج إلى بدر . فدفع العباس مائة أوقية فدية ودفع عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية في حين دفع بعض الأسرى الآخرين أربعين أوقية فقط
ولنا لقاء متجدد بإذن اللَّه..


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة بدر الكبرى (8)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع