مدونة بوعون العيد


نظرة ألم بقلم : بوعون العيد

الأستاذ بوعون العيد | bouaoune laid


22/12/2022 القراءات: 555  



من جانب النّهر وقف ينظر بعيدا بعيدا. تراسيم وجهه تنمّ على كثرة البكاء حتى احمرّت وجنتيه ، واكفهرت حياته وسرمد ليلها، هو ينظر الحواليَ يحمل حذاء لطخته الآلام قبل أن يلطخه الوحل لا يعلم وجهة ولا منقلبا… ، هو كذلك يلتفت يمنة ويسرة يبتلع الغصات ، ويصعد الزفرات حتى وقف على صوت والده يسأله: لماذا تلعب في التراب …؟ردّقائلا: لا تسألني ياوالدي فإجابة سؤالك قاتلة والصدح بها مرارةعلقم ، واختلاجات نفس متأوهة ملتاعة ، وقلب متفئد جراء فقد من هي أحق بحسن صحبتي . أبي كانت هنا ترعاني ،تنهرني، تقرعني ،تلومني، تضربني وبعدها تغسلني، وتنظفني، تحتضنني تربّت على كتفي حتى يغالبَني النّعاس . أبي لست أتمرّغ ترابا ولا ألعب طَمْيا ،ووحلا ، ولا أحاول صنع دميةً وعرائس، ولا أُمًّا تشبه أمّي ، لكن كنتُ ياوالدي أفتّش ٱثارها في التُّراب، وأحفر بيديا الصغيرتين عنها . أبي ألم تحملوها أكتافا وتضعوها في مثواها الأخير وغطّيتم لحدها بالوحل ثم أرجعتم تراب قبرها ورششتموه ماء وقلتم مايرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون، هي تحت التراب ، هي منه وإليه ، هي في دار البقاء ، وأنا في دار الشفاء … يا والدي لقد احتضنت ترابها حتى التصقت به ، لأنّني من بعدها لا صدر يحضنني ولا حبيبة تؤنسني . كيف أكبر وراعيتي رحلت الى جوار ربها ، كيف أغيّر الثياب وأتنظف الوحل ومن تباهي بي الغير غابت غيابا أبديا ……. لا تسألني يا أبي عن لباسي وتوسخها مادام شؤبوب رحمتي خمد بنيران الموت ، وأطفأت سُرُج عطفها بريح المنون . أبي ماقيمة لباسي… ؟ ما قيمة جمالي ؟ ما قيمة تسريحة شعري؟ ورمز سعادتي ودعتها مع المشيعين ..؟ ألم تر أنهم عادوا إلى ديارهم كي يأنسوا بأبنا ئهم ، وعدت وحيدا أأنس الفراغ والعبرات، والوجد، والبعد، والشوق . تسألني يا أبي وبداخلك أمل تعويض المفقود ، وبداخلي ألم ونار متأججة وصرخة تضارع صوت البراكين ، أبي لن يكون في أملك دواء لألمي لأنها ليست هي ، ولست قرّتها ولا فلذة كبدها لأنّك قد تسْعد وتنسى، وحتى تتناسى أما أنا فثمت ما ينتظرني من قبوع وانزواء ووحدة ولعلّه إزدراء ،تناسي، وقُل زجر ونهر ، وأكثرها حرمان آمل ألا يكون تصوري هكذا بيدأن هي الحقيقة ولا ريب أبي لن أصنع من التراب أما ولكن سأصنع من وحل البركة شوقا وحبّا وضمة صدر ، وصورة حية لأغلى كلمة وسيبقى المكان مزارا حتى أُوسّد في الترب .


نظرة ألم بقلم : بوعون العيد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع