مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


هل العجلة من الشيطان في كل الأحوال؟

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


05/02/2024 القراءات: 971  


هل العجلة من الشيطان في كل الأحوال؟
قولان نسمعهما يترددان على الألسن في كثير من المناسبات، يتناقض كلاهما، القول الأول هو: (العجلة من الشيطان). والقول الثاني هو: (خير البر عاجله).
فهل هما حديثان نبويان أم لا؟
أما القول الأول فهو جزء من حديث نبوي بلفظ: (‌الأَنَاةُ ‌مِنَ ‌اللَّهِ، وَالعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ) [رواه الترمذي]. وبلفظ: (‌التَّأَنِّي ‌مِنَ ‌اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ) [رواه البيهقي].
أما القول الآخر: "خير البر عاجله" فقال العجلوني في "كشف الخفاء": ليس بحديث، ولكن روي معناه عن العباس رضي الله عنه: "لا يتم المعروف إلا بتعجيله، فإنه إذا عجله هنأه".
وقيل لأبي العيناء: لا تعجل، فالعجلة من الشيطان! فقال: لو كان كذلك لما قال نبي الله موسى عليه السلام: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [طه: 84].
إن الاستعجال في العموم مذموم في الإسلام، والعجلة من الشيطان؛ لأن الشيطان يستغل العجلة في ابن ادم، ويسهل عليه ترويج الشر من حيث لا يشعر ذلك المستعجل، فمن فرط الاستعجال قد يقسم ويحلف كذبًا وظلما، ومن فرط الاستعجال قد يطلق امرأته بلا تفكير، ومن فرط الاستعجال قد يثق الإنسان فيمن لا يوثق فيه، وقد يكشف أسراره لمن لا يؤتمن بسر، وبسبب الاستعجال قد يقرر الإنسان قرارًا خطأ فيندم، والأمثلة كثيرة كلها بسبب الاستعجال، إنه أحد المنافذ الكبيرة للشيطان على الإنسان.
بخلاف من تمهل وتروَّى وتأنَّى عند الإقدام على عمل يريده؛ فإنه بالتأني تحصل له بصيرة قبل العمل، لذا قال عليه الصلاة والسلام: (‌الأَنَاةُ ‌مِنَ ‌اللَّهِ) [راه الترمذي].
‌ وقال عليه الصلاة والسلام: (التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ) [رواه أبو داود].
فالعجلة من الشيطان؛ هذه القاعدة الأخلاقية ليست على أطلاقها، بل هناك بعض الاستثناءات التي تجعل من العجلة في بعض الأمور والمواقف خلقاً محموداً، بينما التأني والتريث فيها والتمهل أمراً مذموماً غير محمود، ومن هنا قسم العلماء العجلة إلى مذمومة ومحمودة
ولعل أهم أمثلة العجلة المحمودة هي الاستعجال في التوبة والإنابة إلى الله تعالى، وأجمع العلماء على أن التوبة تجب على الفور، ويظهر هذا الأمر بوضوح في قول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133].
أنواع العجلة المحمودة سبعة:
1- من العجلة المحمودة المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى وهي توبته من تأخير التوبة، وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب.
2- ومن العجلة المحمودة الصلاة إذا حضرت، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (يَا عَلِيُّ، ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: ‌الصَّلَاةُ ‌إِذَا ‌أَتَتْ، وَالجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا) [رواه الترمذي].
3- ومن العجلة المحمودة المسارعة في تجهيز الميت، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُم) [رواه البخاري ومسلم].
4- ومن العجلة المحمودة تزويج البنت إذا جاءها الكفء الصالح، كما في الحديث عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) [رواه الترمذي].
5- ومن العجلة المحمودة الإنفاق في سبيل الله تعالى، فمن نوى التصدق بمال أو الإنفاق على مسكين أو إعالة أسرة فقيرة أو كفالة يتيم أو التبرع بمبلغ لبناء مسجد وغير ذلك فليبادر إلى تنفيذ ما نوى، وليتعجل فيما عزم عليه قبل أن يصارعه الشيطان على نيته، ويحول بينه وبين الأجر العظيم.
6- ومن العجلة المحمودة إطعام الطعام، كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رضي الله عنه، قَالَ: (لمَّا قدمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ المدينةَ، انجَفلَ النَّاسُ قبلَهُ، [أي: اتَّجَه النَّاسُ ناحيتَه وذهَبوا إليه مُسْرِعين] وقيلَ: قد قدمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ، قد قدمَ رسولُ اللَّهِ ثلاثًا، فَجِئْتُ في النَّاسِ، لأنظرَ، فلمَّا تبيَّنتُ وجهَهُ، عرفتُ أنَّ وجهَهُ ليسَ بوَجهِ كذَّابٍ، فَكانَ أوَّلُ شيءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أن قالَ: يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلام) [رواه ابن ماجه].
7- ومن العجلة المحمودة الأخيرة، قضاء الدَّيْن حتى لا يدخل في المطل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ)، والْمَطْلُ: مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نفسُ المؤمنِ معلَّقةٌ بِدَينِه حتَّى يُقضَى عنهُ) [رواه الترمذي].
وأخيراً: إن كثيرًا من الناس يقول: نحن في زمن السرعة، يتعجلون في كل شيء حتى في صلاتهم خلف الإمام يسابقونه، مع أنهم لن يسلِّموا قبله، لكنها العجلة، ومنهم من فرط الاستعجال يصلون بلا خشوع ولا اطمئنان، ويقرؤون القرآن بلا تدبر ويذكرون الله تعالى بعجلة غريبة، وقد جاء في صحيح الترغيب من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم: (أسوَأُ النَّاسِ سَرِقةً الذي يَسرِقُ مِن صَلاتِه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يَسرِقُ مِن صَلاتِه؟ قال: لا يُتِمُّ رُكوعَها ولا سُجودَها) [رواه أحمد في المسند].


العجلة، الشيطان، العجلة المحمودة، سارعوا، أطعموا الطعام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع