مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


«ألا إن لكم على نسائكم حقا، وإن لنسائكم عليكم حقا، ...

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


11/05/2023 القراءات: 346  


وهذا باب نافع جدا والحاجة إليه ماسة جدا فعلى هذا لو سأل المقذوف والمسبوب لقاذفه هل فعل ذلك أم لا؟ لم يجب عليه الاعتراف على الصحيح من الروايتين كما تقدم إذ توبته صحت في حق الله تعالى بالندم وفي حق العبد بالإحسان إليه بالاستغفار ونحوه، وهل يجوز الاعتراف، أو يستحب، أو يكره، أو يحرم؟ الأشبه أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فقد يكون الاعتراف أصفى للقلوب كما يجري بين الأوداء من ذوي الأخلاق الكريمة، ولما في ذلك من صدق المتكلم، وقد تكون فيه مفسدة العدوان على الناس أو ركوب كبيرة فلا يجوز الاعتراف قال: وإذا لم يجب عليه الإقرار فليس له أن يكذب بالجحود الصريح؛ لأن الكذب الصريح محرم والمباح لإصلاح ذات البين هل هو التعريض أو الصريح؟ فيه خلاف، فمن جوز الصريح هناك فهل يجوزه هنا؟ فيه نظر ولكن يعرض فإن المعاريض مندوحة عن الكذب وهذا هو الذي يروى عن حذيفة بن اليمان أنه بلغ عثمان - رضي الله عنه - شيء فأنكر ذلك بالمعاريض وقال: أرقع ديني بعضه ببعض أو كما قال.
وعلى هذا فإذا استحلف على ذلك جاز له أن يحلف ويعرض؛ لأنه مظلوم بالاستحلاف، فإذا كان قد تاب وصحت توبته لم يبق لذلك عليه حق فلا تجب اليمين عليه، لكن مع عدم التوبة والإحسان إلى المظلوم وهو باق على عداوته وظلمه فإذا أنكر بالتعريض كان كاذبا فإذا حلف كانت يمينه غموسا.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا: سئلت عن نظير هذه المسألة وهو رجل تعرض لامرأة غيره فزنى بها ثم تاب من ذلك وسأله زوجها عن ذلك فأنكر فطلب استحلافه، فإن حلف على نفي الفعل كانت يمينه غموسا، وإن لم يحلف قويت التهمة، وإن أقر جرى عليه وعليها من الشر أمر عظيم؟ فأفتيته أنه يضم إلى التوبة فيما بينه وبين الله تعالى الإحسان إلى الزوج بالدعاء
والاستغفار، والصدقة عنه ونحو ذلك مما يكون بإزاء إيذائه له في أهله، فإن الزنا بها تعلق به حق الله تعالى، وحق زوجها من جنس حقه في عرضه، وليس هو مما ينجبر بالمثل كالدماء والأموال، بل هو من جنس القذف الذي جزاؤه من غير جنسه، فتكون توبة هذا كتوبة القاذف، وتعريضه كتعريضه، وحلفه على التعريض كحلفه. وأما لو ظلمه في دم أو مال فإنه لا بد من إيفاء الحق فإن له بدلا، وقد نص أحمد في الفرق بين توبة القاتل وبين توبة القاذف.
وهذا الباب ونحوه فيه خلاص عظيم وتفريج كربات للنفوس من آثار المعاصي والمظالم فإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله عز وجل، ولا يجرئهم على معاصي الله تعالى. وجميع النفوس لا بد أن تذنب فتعريف النفوس ما يخلصها من الذنوب من التوبة والحسنات الماحيات كالكفارات والعقوبات هو من أعظم فوائد الشريعة انتهى كلامه.
وقال ابن عقيل: فإن كانت المظلمة فساد زوجة جاره أو غيره في الجملة وهتك فراشه قال بعضهم: احتمل أن لا يصح إحلاله من ذلك؛ لأنه مما لا يستباح بإباحته ابتداء فلا يبرأ بإحلاله بعد وقوعه قال ابن عقيل: وعندي أنه يبرأ بالإحلال بعد وقوعه وينبغي أن يستحله فإنه حق لآدمي فيجوز أن يبرأ بالإحلال بعد وقوع المظلمة ولا يملك إباحتها ابتداء كالدم والقذف، والدليل على أنه حق له أنه يلاعن زوجته ويفسخ نكاحها لأجل التهمة به وغلبة ذلك على ظنه وإنما يتحالف في حقوق الآدميين انتهى كلامه.
ولأن الزوج يمنع من وطئها زمن العدة وفي منعه من مقدمات الجماع خلاف وذلك سبب فعل الزاني لا سيما إن كان كرهها فقد ظلمها وظلم الزوج.
وقد روى النسائي وابن ماجه والترمذي وصححه حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وفيه «ألا إن لكم على نسائكم حقا، وإن لنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن
تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن» .
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل أي الذنب أعظم؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قيل: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قيل: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك» قال في شرح مسلم وذلك يتضمن الزنا وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني وهو مع امرأة الجار أشد قبحا وجرما؛ لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه، ويطمئن إليه وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه، فإذا قابل هذا بالزنا بامرأته وأفسدها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن منه غيره كان في غاية من القبح انتهى كلامه.
وعلى هذا يكون المراد بما يأتي من أن الحد كفارة أي في حق الله عز وجل، أما حق الآدمي فالكلام فيه كغيره من حقوق الآدميين ولهذا لو اقتص من القاتل لم يسقط حق الله عز وجل فيه مع أنه مبني على المسامحة فأولى أن لا يسقط حق الآدمي هنا، ولا يلزم أن يختص بعقوبة في الدنيا سوى الحد الذي هو حق الله عز وجل في القصاص، وقذف الآدمي بالزنا، أو غيره بشيء والله أعلم.


«ألا إن لكم على نسائكم حقا، وإن لنسائكم عليكم حقا،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع