مدونة أستاذ دكتور بشار اكرم جميل داؤد


دور رجل الدين (الكاهن) في تطويع مجتمع القبائل الوثنية في افريقيا جنوب الصحراء

أستاذ دكتور بشار اكرم جميل داؤد | BASHAR AKRAM JAMEEL


11/12/2021 القراءات: 2999  


لعب رجل الدين في أفريقيا جنوب الصحراء ولاسيما في القبائل الوثنية البدائية دوراً كبيراً عبر محاولة إقناع المجتمع بالترغيب والترهيب لتسير وفق ماخطط له هو ، وربما يكون أوضح دور له في عاصمة دولة غانة حينما خطط للحفاظ على سلطة الملك الغاني وبالتالي الحفاظ على سطلته من خلال تخويف الناس من ذلك الملك ، فقد خطط رجال الدين ان تكون المنطقة التي يعيش فيها الملك معزولة عن الرعية في الجهة الثانية لنهر النيجر وفي منطقة كثيفة الاشجار حتى سميت بالغابة ، وعاد دور رجل الدين المتمثل بالسحرة في إبلاغ السكان ان في قصر الملك سجن من يدخل إليه لن يخرج منه وفعلاً تم ذلك ليقتنع الجميع بالأمر ، فكل من يدخل السجن لايخرج حتى يموت فيه مما زاد من خوف الرعية وبالتالي طاعتهم اللامحدودة وتقديمهم المستمر للقرابين ، كما ان رجال الدين عمدوا إلى عدم اشعار الناس ان ملك غانة قد فقد بصره حتى لاتنتهي سلطتهم ولاتهتز صورة الملك الذي اقتنع الناس انه ممثل للألهة على الارض إن لم يكن الهاً بالأساس ، فأصدر رجال الدين الاوامر لحاشية الملك للتعامل معه خلال وجود الزوار في قصره على أنه ليس بأعمى .
فضلاً عن ذلك فقد عمل رجل الدين على تقديم مصلحته الشخصية وزيادة مساحة الفائدة خلال حضوره كل مناسبة من المناسبات السياسية او الدينية وحتى الاجتماعية ، إذ وبسبب عم اعتناق السكان ولاسيما في المناطق الواقعة في الغرب الافريقي اي ديانة سماوية قبل الإسلام ، لم يكن الاحتفال لدى تلك القبائل البدائية مرتبطاً بمحددات دينية فلم تصلهم بوادر التزام ديني بحكم بعدهم عن مراكز الديانات السماوية التي تفصلهم عن ادناها منهم الصحراء الافريقية الكبرى ، ولهذا نشأت لدى السكان فكرة توحيد ارواح اسلافهم فهم الأجدى بتلك العبادة ، واقتنع السكان ان تلك الارواح تحتاج الى احتفال يتخلله تقديم القرابين لتلك الارواح حتى تبعد اذاها عن مقدمي القربان ، إذ ان تلك الارواح هي المراقب لتصرفات الاحفاد فإن كانت جيدة كافأتهم عليها وإن كانت سيئة حاسبتهم وتلقوا اشد العقوبات نتيجة ذلك ، وغالباً ماتتم تلك الاحتفالات في وسط القرية في مكان يخصصه رئيس القبيلة في تلك القرية (والذي حل محل رجل الدين الكاهن) لتلقي القرابين ، إذ يقدم أفراد كل قرية القرابين من الماشية والملابس والطعام إلى رئيس القبيلة ذاك ليقدمها بدوره إلى الألهة والممثلة بارواح الاسلاف (الاجداد) ، وهناك احتفال مشابه أخر يُقام في كل بيت كل ليلة يترأسه رب الأُسرة يقدم خلاله الطعام البارد كقربان لأرواح السلف ، ومن البديهي ان يتولى رئيس القبيلة مهمة تخويف الناس من تلك الارواح حتى يزيدوا من عطاياهم .
وفي القرى التي كانت تُقدس الثعبان وتعده إلهاً لها كانت تحتفل بالوقوف أمام باب الكهف الذي كان يتواجد فيه الثعبان وتقدم كما ذكر الجغرافي والمؤرخ ابو عبيد البكري في كتابه المسالك والممالك عساس اللبن (أطيب الانواع) ونفيس الثياب لذلك الثعبان في احتفال بهيج يتسلم خلاله رجل الدين تلك القرابين ليقدمها للثعبان الذي كان يخوفهم فيه لدرجة ان إحدى القبائل تقدم فتاة جميلة يتسلمها رجل الدين ليوصلها الى الثعبان الذي اقتنع الرعية انه سيأكلها وحينما جاء الدور على فتاة يحبها احد شجعان القرية رفض وحمل سيفه وقتل الثعبان ، وزادت تلك الحادثة من نشاط رجال الدين الذي بدأوا بزرع الخوف في نفوس الناس من انتقام روح الثعبان من القرية نتيجة عدم الوقوف بوجه الفارس ومنعه من قتل الثعبان ، كما ان هناك احتفال أخر يشارك فيه المرشحين لولاية العهد في بعض المدن الأفريقية ، إذ يقنع رجل الدين (الكاهن) اولئك المرشحين بضرورة الوقوف امام مغارة ذلك الثعبان ليخرج لهم ويلامس من يرغب هو بترشيحه ليقوم ذلك المرشح باللحاق بالثعبان حتى يقطع شعرات من ذنب او عرف ذلك الثعبان ، لان عدد تلك الشعرات هو من يحدد عدد السنوات التي سيحكمها الملك المرشح .
وصور التخويف والتطويع للرعية من قبل اولئك المسيطرين على العقول في القبائل الوثنية في افريقيا قبل الاسلام كثيرة ومتنوعة .


القرابين / افريقيا / الثعبان / الأسلاف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع