مدونة أ.د.عبد الكريم حسين رعدان


حدثني عن الشعر في الزمن الجميل

أ.د.عبد الكريم حسين رعدان | PROFESSOR /Abdulkreem Hussein Raadan


29/11/2020 القراءات: 3589  


قال لي : النتاج الشعري اليوم يتدفق بكم هائل وفي كل يوم تقذف المواقع والمطابع بأعداد غفيرة من الدواوين الشعرية، لكنها تظل مساقط للأتربة في رفوف المكتبات ويطويها النسيان، ولا تجد منها قصيدة واحدة تسير على الألسن ويتناقل الناس خبـرها.. ليت شعري هل استهلك الأولون الشعر كله؟! هل أُكل الجمل كله ولم يبقَ منه شيء؟ هل حقيقة ما قاله الفرزدق: "كان الشعر جملا بازلا عظيما فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، وعمرو بن كلثوم سنامه، وزهير كاهله، والأعشى والنابغة فخذيه، وطرفة ولبيد كركرته، ولم يبق إلا الذراع والبطن فتوزعناهما بيننا".
لقد أدرك الشعراء قديماً أن كثرة الشعر ليست دليلاً على إبداع الشاعر، فَتَعبْقرُهُ يكمن في تلك القصيدة التي يقولها في لحظات عطاء، فتطير مع الرياح يتغنى بها القوم، وترويها الأجيال، ولقد قال زهير بن أبي سلمى يمدح قصائده:
سترحل بالمطي قصــائدي حـتى تحل على بني ورقاء
مدحا لهم يتوارثون ثناءهــا رهن لأخرهم بطول بقــاء
حتى إن بعض الشعراء تمنى أن يبادل بشعره كله بيتاً واحدا مشهورا لشاعر آخر.
ومن هنا فالقصيدة المميزة هي تلك التي تطبع الأحداث، وتتعفر بغبار الأيام، وتحفي أقدامها في ساحات المعاناة، وتتلظى بنيران العواطف المنصهرة في أتون الآلام والآمال.. كما في رائعة "أبو تمام وعروبة اليوم" القصيدة التي ألقاها البردوني قبل عقود في مؤتمر حاشد فضجت بها ضفاف الرافدين، وإلى الآن لا زالت تشتبك مع الواقع دون هوادة:
ما أصدق السيف إن لم يُنْضه الكذب وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصفائح أهدى حين تحملـها أيد إذا غلبـت يعلوا بهـا الغـلب
وأقبح النصر نصر الأقــوياء بلا فهم سوى كم باعوا وكــم كسبوا
ماذا تري يا أبا تمام هـــل كذبت أحسابنا أو تناسى عـرقه الذهـب؟
إنها أسئلة تستفزّ الإحساس، تمضي حروف القصيدة فتحفر في جلاميد الخذلان، وتضغط على فقرات التراجع المريع، الذي ينتظم الملايين العربية المنكِّسة، وقد تحولت الرؤوس إلى علامات استفهام مرصوصة ثقيلة دونما إجابات.. ؟؟؟!!!
عروبة اليوم أخـرى لا ينمُّ علـــى وجودها اسـم ولا لـون ولا لقـب
تسعون ألفـاً لعمــورية اتقــدوا وللمنجـم قــالوا إننـا الشـهب
واليوم تسعون ملـيوناً ومـا بلـغوا نضجاً وقد عصر الـزيتون والعنب
تنسى الرؤوس العوالي نار نخـوتها إذا امتطـاها إلـى أسيـاده الذنب
حبيب وافيت من صنعاء يحملــني نسر وخلف ضـلوعي يلهث العرب
ماذا؟ أتعجب من شيبي عـلى صغري إني وُلدت عجـوزاً كيـف تعتجب؟
واليوم أطوي وطـيش الفـنّ يعزفني والأربعــون علـى خـديَّ تلتهب
كـذا إذا ابيضَّ إيناع الحـياة علـى وجـهِ الأديب أضاء الفـكر والأدب


الشعر، الزمن، الجميل


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


عين العقل ما خطه قلمك السيال لا فض فوك


حفظكم الله تعالى أستاذنا دحان القباتلي وأحيي قراءتك