مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


التفاوض فن الفوز (2) أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


10/12/2023 القراءات: 436  


أما في بداية مناورات التفاوض فيجب أن تعرف شيئاً هاماً وهو: عليك أن تطلب أكثر مما تتوقع لأنك إذا طالبت فقط ما ترجوا أن تحصل عليه فلن يتاح لك مجال أوسع للتفاوض، وهذه من البديهيات جداً لأن الظروف لن تكون مواتية لفوزك، فحينما تتمسك بما قررت الحصول عليه فإنك قد تواجه موقفاً لا يحتمل، وهو أحد أمرين لا ثالث لهما؛ وهما القبول أو الرفض، وبذلك قد تجعل الطرف الآخر يقف موقف الخسارة أو الشعور بها، بينما لو طلبت أكثر مما تتوقع فإنك ستُبقِي الطرفين بعيداً عن الإحساس أو الشعور بالخسارة، لأن الأمور ستتقارب بالتنازلات في المفاوضات، ولكن أحياناً الشخص المقابل لك لا يكون لديه المقدرة بالتفاوض، فإذا طلبت زيادة عمّا تتوقع فقد يقابل بالقبول من الطرف الآخر؛ وبذلك تكون أنت الفائز، وإن لم يحدث ذلك وتظاهرت بتقديم تنازلات للطرف الآخر فيجب أن تقدمها بمقابل شيء أياً كان قدره.
شيء آخر وهو رفض مقترحات الطرف المقابل وعروضه بدهشة، ويجب أن تكون هذه الدهشة والرفض ظاهراً منك كردّ فعلٍ تجاه مقترحات الطرف الآخر، وعندما يلاحظ الطرف الآخر هذه الدهشة والرفض فإنه سرعان ما يبدأ في تقديم التنازلات لك؛ لذلك فإن هذه الدهشة والرفض إذا لم يبدو عليك ظاهراً للطرف الآخر؛ فإنه سيكون أقل مرونة معك، وقد يتسلل إلى نفسه الشعور بأنك على وشك الموافقة.
وقد يمكن استفادة كل هذا مما وقع لقريش في مفاوضاتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، اسمع إلى حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو يقول: "إِنَّ قُرَيْشًا وَعَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطُوهُ مَالًا، فَيَكُونَ أَغْنَى رَجُلٍ بِمَكَّةَ، وَيُزَوِّجُوهُ مَا أَرَادَ مِنَ النِّسَاءِ، وَيَطَئُوا عَقِبَهُ، فَقَالُوا لَهُ: هَذَا لَكَ عِنْدَنَا يَا مُحَمَّدُ، وَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا، فَلَا تَذْكُرْهَا بِسُوءٍ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَإِنَّا نَعْرِضُ عَلَيْكَ خَصْلَةً وَاحِدَةً، فَهِيَ لَكَ وَلَنَا فِيهَا صَلَاحٌ. قَالَ: «مَا هِيَ؟» قَالُوا: تَعْبُدُ آلِهَتَنَا سَنَةً: اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَنَعْبُدُ إِلَهَكَ سَنَةً، فَجَاءَ الْوَحْيُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [سورة الكافرون].
كما يجب ألا تقابل الطرف الآخر بعرض مضاد لعرضه، ومحدّد برقم معيّن مثلاً أو هدف محدّد أي تجعله مبهماً، كأن يقدَّم لك عرض فتَرُدّ عليه بأنك تريد عرضاً أفضل (والعرض الأفضل ليس معناه عرض برقم أو هدف محدد) ثم تلتزم الصمت بعدها لفترة حسب وضع المفاوضات، هذه هي النقلة الإجبارية وهي (الرد بطلب عرض أفضل والصمت بعدها إلى أن يصلك رد من الطرف المقابل) فبهذا الأسلوب تلقي بالضغط على الشخص المقابل لتقديم مزيد من التنازلات بدون مواجهة.
وفي ختام المفاوضات بعض المفاوضين يتعمد عدم كتابة بند معين؛ ليبدو وكأنه قد نسيَه مثلاً وهو متعمد ذلك؛ ليكون ورقة بيده لدعم موقفه، وذلك لطلب مزيد من التنازلات من الطرف الآخر أو تحقيق مكسب أو إيقاع الطرف الآخر في حرج، فليتنبه له بحذر شديد.
وفي فن المفاوضات دائماً أصحاب الصوت العالي أو المرتفع هم أكثر الناس في تقديم التنازلات.
أما الضربة الأخيرة فهي التي تكون في الوقت الضائع، وهي طلب تنازلات أكثر في اللحظات الأخيرة من الطرف المقابل، والمهم في ذلك اختيار وقتها، حيث تكون في الوقت الذي تخلى فيه المفاوضون عن حذرهم وحرصهم تماماً.
ويستخدمها المفاوضون عادة في طرح الأمور التي لا يتقبلها الطرف المقابل في بداية التفاوض، وعليك عندما تُطرَح عليك مثل هذه الطلبات من شخص، مقابل أن تبتسم وبكل هدوء تقول: إن الاتفاق عادل ولا يحتمل المزيد من التنازلات.
وينبغي التنبُّه إلى أن الوقت قيد مفروض على كل مفاوض وعليه التعامل معه بذكاء، فيعرف متى يتحدث، ومتى يتوقف، ومتى يهاجم، ومتى يتساهل، فالوقت سلاح فعال في المفاوضات، واستخدامه للضغط في التفاوض يجعلك تحصل على تنازلات أكبر.
لا شك أن إتقان فن التفاوض وتطوير المهارات التفاوضية أمر مهم ولا سيما في مجال الإدارة لارتباط وظيفتها مباشرة في التعامل مع الأفراد، وعلى الإدارة أن تأخذ في الحسبان أهمية الحوار التفاوضي في اتخذا القرارات وصولاً إلى الأهداف.
ثم إن لكل طرف من أطراف التفاوض أهداف وتطلعات وآمال وأحلام، وجميعها تواجهها عقبات وصعوبات، وكلما كانت العقبات شديدة كلما زاد يأس الطرف الآخر، فحينما قامت (مارجريت تاتشر) بمفاوضات سرية مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، ولم تغير موقفها، ورفضت كل الضغوطات، لم يكن أمام أعضاء الجيش الجمهوري المقبوض عليهم إلا الانتحار في السجن كوسيلة أخيرة لكسب تأييد البريطانيين والعالم.
وأخيراً: جميع المفاوضات لها نتائج، فقد تكون هذه النتائج إيجابية أو سلبية، ويتوقف ذلك على الأساليب المستخدمة للوصول إلى النتائج.
فمن النتائج الإيجابية، الحل أو التكيف وذلك عندما يحصل كل من المفاوض وخصمه على جميع ما يريدان، وتسمى استراتيجية (فوز- فوز).
أما النتائج السلبية فتتمثل بفرض الحل من طرف (أ) على طرف (ب) دون تقدير لموقفه وذلك عن طريق التهديد والإكراه، مما يدفع الطرف (ب) إلى الاستجابة، وتحت هذا الظرف لا يعني أن القضية قد تم تسويتها.
ومن النتائج السلبية أيضاً الاستسلام الذي يحدث عندما يقتنع أحد الطرفين بأن إصراره في الحصول على ما يريد يكلفه خسارة أكبر من الخسارة التي تلحق به عند التنازل للطرف الآخر.
وهناك استراتيجية (خاسر- خاسر) عندما يتنازل كلا الطرفين عن بعض أهدافه بصيغة الحل الوسط، بحيث لا يكون هناك منتصر ولا مهزوم.


التفاوض، فن الفوز، مهارات، مصالح، الحوار، صلح الحديبية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع