أ. محمد فارح


القارئ المتمكن والنص الأثر المفتوح

محمد فارح | Mohammed Farah


29/04/2019 القراءات: 4409  


يسعى النص إلى حمل مقتضيات دلالية سواء أصرح بها المؤلف، أم أضمرها داخل رقعة النص، وإنه من المعلوم أن قراءة النص وفهمه تستدعي الإحاطة بكل جوانبه ( البنيات، المقاصد، السياقات)، تسهم البنيات في وصول القارئ إلى معانٍ ظاهرة الدلالة، وتعمل القصدية إلى بلوغه إلى المعاني الخفية، ومرامي هذا النص، وفي كل هذا سيكون السياق حاضرا من خلال استنطاق البنيات، ومعرفة المقاصد، يعتمد القارئ في ذلك على السياق (الداخلي، والخارجي)
إننا نريد من خلال تلك القطع المتجاورة من الكلمات أن نفهم فكر المؤلف وإلى أي شيء يرمي إليه، مهما كان الجنس الذي يتحدث به، ومهما كانت القضايا التي يعالجها في مؤلفه.
ولأن النص سيحمل في دواخله دلالات تختلف باختلاف القراء، ومن خلال تعدد زوايا القراءة له، سينتج عن ذلك تعدد القراءات ويصبح النص أثرا مفتوحا أمام حتمية القراءة، ومغامرة يكتشف خباياها القارئ في كل مرة.
غير إننا لا ندعو من ها هنا إلى القول بأن النص فضاء يسبح فيه كل ما شاء ذلك، وإنما مرده إلى ما نراه في شخصية القارئ الذي تبنيناه منذ بداية الحديث عن القارئ ومكامن المعنى، وهو القارئ المتمكن حسب ما نعتقده.
وعلى ذلك فإن القارئ المتمكن هو الوحيد الذي يحق له قراءة النص بانفتاحية مطلقة، وهذا لأننا نراه المؤهل الوحيد لفعل ذلك، بما يمتلكه من أدوات وآليات تمكنه من الغوص في مكامن النص، ولأنه من يمتلك مفاتيح النص بعد كاتبه، عالم بأسلوبه ومقاصده ومضامين نصه.
ومن خلال قراءته للنص سيكتشف طريقا جديدا لم يتطرق إليه القراء من قبله، ليعيد إنتاج النص من جديد وفق منظوره الخاص، وهذا هو الدور الأول، والمهم لهذا القارئ، الذي يحاول تتبع الأثر، والبلوغ إلى إنتاجية ثانية لنص موازٍ للنص الأصلي.
وسيكون النص الأصلي هو النص الأول، ولن يفقد قيمته بمجرد إنجاز النص الثاني، المنجز على قراءة تعد شرحا أو تأويلا أو تتبعا للأثر في النص الأول، وإنما سيكون ذلك تأصيلا لقيمة النص الأول، وإن فاقت الإنتاجية في النص الثاني للنص الأول، فهذا يعني أن النص الأصلي يحمل قيمة معرفية وذوقية وفكرية داخله، استند عليها القارئ المتمكن في بناء تصوراته، ومن ثمة إعادة إنتاج النص الموازي.
فالنص الأول وإن كان مفتوح الأثر إلا أنه يبقى النص الحامل للفكرة واللبنة الأولى، وقراءة القراء ماهي إلا عملية فك لشفراته وإعادة تركيبها داخل وحدة لغوية جديدة، تحاول مقاربته، واستجلاء مضامينه والقبض على مقاصده، وشرح قضاياه، على حسب ما يراه هؤلاء القراء، وليس دائما يصيب القراء - وإن كانوا متمكنين- في الإحاطة بمجامع النص، ذلك أن اللغة تعمل صنيعها داخل النص، ويتولد داخلها المحتمل، والممكن، وممكن الإنجاز، وهذا يعود إلى سمة التعالي التي تتصف به اللغة.


البنيات، المقاصد، السياقات، النص المفتوح، القارئ المتمكن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع