مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
" سعيد بن عامر الجمحي و خبيب "
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
19/01/2023 القراءات: 652
" سعيد بن عامر الجمحي و خبيب "
خبيب رضي الله عنه وأرضاه أحد المعذبين في الله الثابتين على الإيمان بالله ثبوت الجبال الراسيات وممن حضره يوم قتله رضي الله عنه سعيد بن عامر الجمحي : خرج إلى التنعيم في ظاهرة مكة بدعوة من زعماء قريش ليشهد
معهم مصرع خبيب بن عدي أحد صحابة محمد بعد أن ظفر به الأعداء المشركون غدرا .
وقد أقدره الله أن يتمكن من رؤية أسير قريش مكبلا بقيوده يساق إلى الموت ، فوقف سعيد يطل على خبيب وهو يقدم إلى خشبة الصلب وسمع صوت خبيب الثابت الهادئ يقول إن شئتم أن تتركوني أصلي ركعتين قبل مصرعي فافعلوا .
ثم نظر سعيد إليه وهو يستقبل القبلة ويصلي ركعتين يا لحسنهما ويا لتمامهما وسمعه وهو يقول : لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعا من الموت لا استكثرت من الصلاة .
ثم رأى المشركين وهم يمثلون بخبيب حيا ويقطعون منه القطعة تلو القطعة ويقولون له أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت ناج ، فيقول والدماء تنزف منه والروح تتسلل من بدنه : والله ما أحب أن أكون آمنا وادعا في أهلي وولدي وأن محمدا يوخز بشوكة .
ثم أبصر سعيد بن عامر خبيبا وهو يرفع بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب وهو يقول : اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبقي منهم أحدا . ثم خرج روحه الطيبة وبه الشيء الكبير من ضربات السيوف وطعنات الرماح .
ثم إن سعيد أخذ درسا ، فعلم أن الحياة الحقة عقيدة ، وجهاد في سبيل الله حتى الموت ، وعلم أن الإيمان الثابت لا يزلزله شيء البتة .
وعلم أن الرجل الذي تبلغ محبته والذب عنه إلى هذا الحد إنما هو رسول مؤيد من السماء ، عند ذلك شرح الله صدر سعيد بن عامر للإسلام
فقام في مجمع من الناس وأعلن براءة ما عليه المشركون من عبادة الأصنام وهاجر سعيد بن عامر إلى المدينة ، ولزم رسول الله وشهد معه خيبر ، وما بعدها من الغزوات .
ولما توفي رسول الله ظل سيفا مسلولا في يدي خليفتي رسول الله أبي بكر وعمر وكانا يعرفان له صدقه وتقواه .
ولما آلت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه أتاه سعيد فقال له : يا عمر أوصيك أن تخشى الله في الناس ، ولا تخشى الناس في الله ، وأن لا يخالف قولك فعلك ، فإن القول ما صدقه الفعل .
يا عمر أقم وجهك لمن ولاك الله أمره من بعيد المسلمين وقريبهم ، وأحب لهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك ، وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم .
فقال عمر : ومن يستطيع ذلك يا سعيد ؟ فقال : يستطيعه مثلك ممن ولاهم الله أمر أمة محمد وليس بينه وبين الله أحد . عند ذلك دعا عمر سعيدا إلى مساعدته فقال له : إنا مولوك حمص . فقال : يا عمر نشدتك الله لا تفتني . فغضب عمر وقال : ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني ، والله لا أدعك ثم ألزمه بحمص وقال : ألا نفرض لك رزقا ؟ : وما أفعل به يا أمير المؤمنين فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي .
ثم مضى واليا على حمص وما مضى إلا زمن يسير حتى جاء بعض أهل حمص إلى عمر فقال : اكتبوا أسماء الفقراء عندكم بحمص حتى أسد حاجتهم ، فرفعوا له كتابا فيه بعض الفقراء الموجودين بحمص ومن جملة الفقراء المكتوبين سعيد بن عامر الجمحي .
فقال عمر من سعيد بن عامر ، فقالوا : أميرنا . قال : أميركم فقير ؟ قالوا : نعم ، والله إنه ليمر عليه الأيام الطوال ، ولا يوقد في بيته نار . فبكى عمر رضي الله عنه بكاء شديدا ، حتى بلت دموعه لحيته .
ثم عمد إلى ألف دينار فجعلها في صرة وقال : اقرؤا عليه السلام وقولوا له يستعين بهذا على قضاء حوائجه فجاءوه بها فلما نظر إليها وأخبروه ، جعل يبعدها عنه ، ويسترجع .
فجاءت زوجته وقالت له : ما شأنك ؟ أمات أمير المؤمنين . قال : بل أعظم من ذلك ، قالت : وما ذاك ؟ قال : دخلت علي الدنيا لتفسد آخرتي وحلت الفتنة في بيتي . قالت : تخلص منها . قال : هل تعينيني على ذلك . قالت : نعم . فوزعها على فقراء المسلمين .
ثم لم يمض إلا مدة يسيرة حتى أتى عمر على حمص يتفقدها ويسأل عن أميرهم وسيرته معهم ، وهل نقموا عليه بشيء ، فذكروا أربع :
أحدها : قالوا أنه لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار . فسأل عمر سعيدا : لماذا ؟ فقال : إني أكره أن أقول ذلك ، ولكن حيث أنه لا بد من توضيحه ، فإنه ليس لأهلي خادم فأقوم الصبح فأعجن لهم عجينهم ، ثم انتظره يختمر ، ثم أقوم فأخبزه لهم ، ثم أتوضأ وأخرج إليهم .
وأما الثانية : فقالوا : أنه لا يجيب أحدا بالليل ، فسأله عمر فقال : إني أكره أن أذكره ، ولكن لما أنه لا بد من ذلك فإني قد جعلت النهار لهم ولربي عز وجل الليل .
قال عمر : وما هي الثالثة ؟ قالوا : أنه لا يخرج يوما من كل شهر ، فسأله فقال : أنه ليس لي خادم ، وليس عندي ثياب غير التي علي فأنا أغسلها في الشهر مرة وأنتظرها حتى تجف ، ثم أخرج إليهم آخر النهار . وأما الرابعة : فقالوا أنه تصيبه غشية في بعض الأوقات فيغيب عمن في المجلس ، فسأله عمر عنها فقال : إني حضرت مصرع خبيب بن عدي ، وأنا مشرك ورأيت قريشا تقطع جسده وهي تقول : أتحب أن يكون مكانك محمدا ؟ فقال : والله ما أحب أن أكون آمنا وأهلي وولدي وأن محمدا تشوكه شوكة .
فإذا ذكرت ذلك المشهد وأني لم أنصره ظننت أن الله لا يغفر لي فتصيبني تلك الغشية . ثم بعث له عمر بألف دينار يستعين بها على حوائجه ، فلما علمت زوجته قالت : الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك أشتر لنا مؤنة واستأجر لنا خادما فقال لها : وهل لك فيما هو خير من ذلك ؟ قالت : وما ذاك ؟ قال : ندفعها إلى من يأتينا بها ونحن أحوج ما نكون إليها . قالت : وما ذاك ؟ قال : نقرضها الله قرضا حسنا . قالت : نعم وجزيت خيرا فما قام من مجلسه حتى وزعها على الأيتام والأرامل والمساكين . فرضي الله عنه وأرضاه لقد كان من الذين يؤثرون على أنفسهم . أ.هـ باختصار .
" سعيد بن عامر الجمحي و خبيب "
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع