جودة البناء وبناء الجودة
د صالح علي ناصر الخدري | saleh ali nasser alkhadri
31/12/2020 القراءات: 2784
الجودة باعتبارها تجويدا لأي أمر له بناء مادي أو معنوي عبارة عن تراكم ممارسات وتجارب متنوعة، وكذلك الحال بالنظر إلى صناعة الصانع للجودة ذاتها، بمعنى أن إتقان صنع الشيء مؤشر عن خبرة طويلة وتجارب سابقة متكررة ومتتالية، وكذلك هو الإتقان (الجودة) في ذاتها مرحلية ومتدرجة، لا يبلغ أحد منتهاها إلا من خلال مراحل متعددة ومتصلة مع بعضها، ولكل مرحلة مواصفاتها وهيئاتها، وبقدر البناء في ذات الجودة وصناعتها باحتراف وتدرج وتلازم تكون هيئتها وشكلها الذي تظهر عليه، وعلى ذلك فإنه يوجد تمايز بين الجودة والأمر المجوَّد، سواء كان التجويد بغرض إيصال شخص مستوى من التربية أو الأخلاق، أو البلوغ به درجة ما من المواصفات العلمية أو العملية، أو كان في تجويد بناء بيت أو مؤسسة، أو كان في تجويد قراءة القرآن الكريم، أو إتقان أي فن من الفنون، وبذلك يتضح تغاير الجودة عن الأمر المجوَّد (وهو ما وقع عليه التجويد)، من حيث النظر إلى كل واحد من الوصفين مجردا عن الآخر، وتحقق الحاجة إلى التعامل مع كل وصف على حدة، وحتى يُعطى كل منهما ما يستحقه، من حيث النظر إلى الأثر والمؤثِّر والمؤثَّر، وكلها تتضمنها معنى الجودة، فالأثر ( التجويد) والمؤثِّر (المجوِّد) والموثَّر (الأمر المجوَّد)، ثم إن المهم في الأمر، والذي ينبغي التذكير به هنا هو بيان الحاجة إلى إدراك ما يجب على المعلم والمربي - أيا كان مستوى الجهد والتعليم الذي يقوم به- من التفريق بين ما سبق الإشارة إليه - أي الجودة والأمر الذ وقع عليه فعل التجويد- وهذا ما قد يغفل عنه الكثير من أهل العلم والمعرفة، باختلاف مستوى ونوع مجال عملهم، بسبب تركيز جهودهم في تجويد الأمر المعين المقصود إتقانه، بغية الوصول به إلى أعلى مرحلة في التجويد والإتقان، الذي يعتبر غاية المراد من بذل الجهود، ففي ظل ذلك الحرص والاجتهاد في بلوغ مستويات متميزة من الإجادة للأعمال المختلفة يتبين للعاملين أثر إغفال جانب بناء الجودة في ذاتها، ومدى أثر ذلك على الحياة ككل، كون النظرة لدى من يقوم بتلك المهام قاصرة، وإن كانت في ظاهر الأمر تامة وعلى أكمل وجه، فجودة البناء شيء وبناء الجودة شيء آخر، وهذا ما يظهر لنا في اختلاف مفاهيم المعلمين والمربين وحتى الآباء والأمهات في نظرتهم إلى معايير الجودة في ذاتها ومواصفاتها العامة والخاصة، وما يجب عليهم أن يقوموا به تجاه طلابهم وأبنائهم وبناتهم وأمتهم، وكل ذلك متأثر بالخلفية الذهنية أو الفكرية لكل معلم أو مربٍ، فمنها السلبي ومنها الإيجابي، ومنها الصواب، ومنها الخطأ، ومنها الطموح، ومنها الروتيني، ومنها ومنها، وكل ذلك يحتاج إلى مراجعة لكل ما يقوم به المعلم والمربي - ومن هو في مقامهما- كالآباء والأمهات وغيرهم، كي يستقيم البناء، ويحسن التجويد، ويقوم العود على سوقه كما ينبغي، فذلك إحسان العمل وإتقانه، قال الله تعالى عن نفسه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) تبارك2، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"صحيح الألباني، والله يعلم كل عامل وما عمل، قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة 105 .
جودة - بناء - إتقان
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع