مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي
الوعد في الشريعة والقانون
د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a
01/10/2023 القراءات: 2009
الوعد كلمة تدل على ترجية بقول إما بخير أو بشر(جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا)مريم/61 في حين أن الوعيد لايكون إلا بشر لقوله تعالى(ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)ابراهيم/14فالوعد قول يفرضه الشخص ويلزمه على نفسه تجاه غيره في الحاضر أوالمستقبل بان يقوم بعمل أو يمتنع عنه أويعطي شيئا معينا فهو عملية التزام شخص تجاه غيره إذا وعده بشيء ويكون هذا الالتزام أساسا معلق على تحقق شرط معين فينشأ الالتزام بالوعد عند ثبوت وتحقق الشرط والوعد بهذا المعنى يعد نوع من أنواع العهد فيعهد بالوفاء بمعاملاته أوعلاقاته المالية وغير المالية طالما كانت موافقة للشرع والقانون حيث لايجوز التعاهد على ارتكاب المعصية والعهد على هذا الأساس هوالتزام العاهد تجاه المعهود له كأن يقوم بإبرام عقد أوصفقة معه في الحال أوالمآل سواء وعده من تلقاء نفسه أم بطلب منه وقد وصف الله المؤمنين حين قال(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)المؤمنون/8 والحقيقة أن عدم الإيفاء بالوعد بسبب خارج عن إرادة الواعد لاإثم عليه إلا أن من وعد غيره وبنيته عدم الوفاء ولم يف بوعده كان كاذبا مخلفا للوعد ومنافقا لقوله صلى الله عليه وسلم(آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا اؤتمن خان)الشيخان فالوعد هو العهد ويكون على الغالب الأعم عملا من أعمال الخير لأن القصد منه الثواب وإرضاء الخالق وطلب الثواب والمغفرة ولكن
يمكن أن يكون سببه إرضاء المخلوق أيضا أودوام الصلة وحسن المعاشرة أو التودد إليه لذلك نصت المادة/84 من مجلة الأحكام العدليةعلى أن"المواعيد بصور التعاليق تكون لازمة"فإذا ماعلق وفاء الوعد على شرط معين يكون ملزما للواعد إذا ثبت الشرط المعلق عليه وهذا رأي الحنفية أما رأي الجمهور من الشافعية والحنابلة فلا يلزم الوعد صاحبه مهما كان مجردا أومعلقا لأنه ليس بفرض ولا يأثم إن هو لم يف به على الرغم من كراهته كراهة شديدة إذ يستحب ويندب الوفاء به
إلا أن هناك وعدا ملزما أخر هو مايسمى الوعد بجائزة معينة اي الوعد بجعل أوالجعالة التي عالجها الفقهاء المسلمون معالجة مستفيضة ونقطة الابتداء عندهم ماجاء في قوله تعالى(قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم)يوسف/72 كما وتعد الجعالة أهم تطبيق أورده القانون المدني العراقي النافذ رقم40 لسنة 1951 المعدل في المادة/185 للإرادة المنفردة كمصدر للالتزام فمن وعد بجعل يعطيه لمن يقوم بعمل معين التزم بإعطاء الجعل لمن قام بهذا العمل حتى لو قام به دون نظر إلى وعده كمن يعلن عن جائزة يعطيها لمن يقوم بعمل معين كاكتشاف دواء لمرض أوالعثور على شيء ضائع فمن قام بالعمل استحق الجائزة ولو لم يعلم بالوعد عند قيامه بالعمل وينبغي في ذلك أن توجه الإرادة إلى الجمهور لاإلى شخص معين وهذا هو الشرط الذي يميز الإرادة المنفردة من العقد فهي إذا وجهت إلى شخص معين أوإلى أشخاص معينين أصبحت إيجابا يجب اقتران القبول به وعندئذ تصبح عقدا لا إرادة منفردة فضلا عن أن الإرادة يجب أن توجه بطريق علني كالإعلان للكافة ويجب أن يتضمن الإعلان جائزة يلتزم الواعد بإعطائها وعملا معينا يجب القيام به لاستحقاق الجعل أوالجائزة فهو التزام بنتيجة معينة مطلوبة من الواعد فإذا توافرت الشروط أنتجت الإرادة المنفردة للواعد أثرها ونشأ الالتزام على عاتقه فإذا قام احد بالعمل أصبح دائنا للواعد بمبلغ الجعل إذا كان الجعل مبلغا من النقود سواءعلم بالوعد عند قيامه بالعمل أم لم يعلم وسواء قام بالعمل قبل الإعلان عن الجعل أم بعده وقد نص القانون المدني العراقي على الحالات التي تلزم الإرادة المنفردة صاحبها كالإيجاب الملزم وإنشاء المؤسسات وتحرير العقار المرهون رهنا تأمينيا وجعل من ضمنها أيضا الوعد بجائزة فنصت المادة/184 منه على انه"1- لاتلزم الإرادة المنفردة صاحبها إلافي الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك 2- ويسري عليها ما يسري على العقد من الأحكام إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين"وبهذا نصت على تطبيق أحكام العقد على الإرادة المنفردة إلا ما تعلق منها بضرورة وجود إرادتين متطابقتين ومعنى هذا أنه لابد لتنتج الإرادة منفردة أثرها من أن تتوافر لها الشروط والأركان العامة في العقد من تراضي ومحل وسبب عدا ما تعلق منها بتوافق الإرادتين فيجب أن يتوفر لها محل مشروع وان يتمتع صاحب الإرادة بالأهلية اللازمة أي أهلية الأداء الكاملة وأن يكون رضاؤه صحيحا غير مشوب بعيب كما يجب أن يكون هناك سبب مشروع أي قصد مشروع يراد تحقيقه كما نصت المادة/78 منه أيضا على انه"صيغة الاستقبال التي هي بمعنى الوعد المجرد ينعقد بها العقد وعدا ملزما إذا انصرف إلى ذلك قصد المتعاقدين"فإذا ما وعد شخص أخر بالتعاقد فهو عقد يلتزم فيه أحد الطرفين أو كلاهما بإبرام عقد في المستقبل إذا أظهر الموعود له رغبته في ذلك خلال المدة التي قد يتفق عليها
فالوعد بالتعاقد إذن عقد وهو يتم بإيجاب وقبول ولكنه عقد تمهيدي أومرحلة تمهيدية تسبق إتمام العقد النهائي يراد من وراءه إبرام العقد الأصلي الموعود به في المستقبل بحيث إذا أبدى الموعود له رغبته تم العقد دون حاجة إلى تدخل إرادة الواعد من جديد كمن يرغب في شراء منزل يسكنه ولكنه لايملك الثمن فيتفق مع مالكه على أن يبيعه له بثمن معين أذا أبدى رغبته في شرائه خلال مدة يتفق عليها ففي هذه الحالة يوجد وعد بالبيع يلتزم المالك بمقتضاها قبل الطرف الأخر فإذا أبدى هذا الأخير رغبته في الشراء تم بينهما عقد البيع النهائي وقد أورد القانون المدني العراقي في المادة/91 منه نظرية عامة للوعد بالتعاقد فنص على أن"1- الاتفاق الابتدائي الذي يتعهد بموجبه كلا المتعاقدين أوأحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لايكون صحيحا إلا إذا حددت المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه 2- فإذا اشترط القانون للعقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يجب مراعاته أيضا في الاتفاق الابتدائي الذي يتضمن وعدا بإبرام هذا العقد"والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
(الوعد في الشريعة الاسلامية والقانون)
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع