مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
{إلا من ظلم}
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
02/06/2023 القراءات: 421
والمروي عن ابن عباس في الآية: إلا أن يدعو المظلوم على من ظلمه فإن الله تعالى قد أرخص له. وعن الحسن والسدي إلا أن ينتصر المظلوم من ظالمه. وعن مجاهد أن يخبر المظلوم بظلم من ظلمه. وعنه أيضا إلا أن يجهر الضيف بذم من يضيفه. وقرأ عبد الله بن عمرو وجماعة من التابعين بفتح الظاء قال ثعلب: هي مردودة على {ما يفعل الله بعذابكم} [النساء: 147] ؟ {إلا من ظلم} [النساء: 148] وقيل: المعنى إلا أن يجهر الظالم بالسوء ظلما، وقيل: إلا أن يجهروا بالسوء للظالم. فعلى هذا الاستثناء منقطع، ومعناه لكن المظلوم يجوز له أن يجهر لظالمه بالسوء، ولكن يجهر بالسوء واجهروا له بالسوء.
وقال ابن زيد {من ظلم} [النساء: 148] أي: أقام على النفاق فيجهر له بالسوء حتى ينزع ذكر ذلك ابن الجوزي، ومن ذلك قول هند للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن أبا سفيان رجل
شحيح» ، وقول الحضرمي أو الكندي للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال: «لك يمينه فقال يا رسول الله: إنه رجل فاجر لا يبالي» قال في شرح مسلم: وفيه أن أحد الخصمين إذا قال لصاحبه: إنه ظالم، أو فاجر أو نحوه يحتمل ذلك منه، وما قاله ظاهر، وظاهر كلام أصحابنا وغيرهم يؤاخذ بذلك ويتأول الخبر.
وروى أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم عن الشريد مرفوعا «لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» قال أحمد: قال وكيع عرضه شكايته وعقوبته حبسه، ولعل من هذا ما جرى بين العباس وعلي لما تحاكما في ذلك إلى عمر فكان كل منهما متأولا معذورا في قوله للآخر، فإنه أشكل على جماعة حتى أسقطه بعضهم من الحديث، وهو في الصحيحين ولذلك لم ينكر عمر وعثمان وسعد والزبير وعبد الرحمن ما قيل، لكن كان القول في الوجه.
وقد تقدم كلام الإمام أحمد في الاستعانة بالجيران وغيرهم على إزالة المنكر، وفي الخبر الصحيح المشهور «خير دور الأنصار بنو فلان» الحديث قال في شرح مسلم: فيه جواز تفضيل القبائل والأشخاص بغير مجازفة ولا هوى ولا يكون هذا غيبة. وهذا صحيح وهو كثير في كلام أحمد وغيره من الأئمة.
وليست الغيرة عذرا في غيبة ونحوها في ظاهر كلام أحمد، والأصحاب لعموم الأدلة، ويتوجه احتمال، وهو معنى كلام ابن عقيل في الفنون فإنه قال: قل أن يصح رأي مع فورة طبع، فوجب التوقف إلى حين الاعتدال، وهو أيضا معنى ما اختاره الشيخ تقي الدين، فإنه اختار أن لا يقع طلاق من غضب حتى تغير، ولم يزل عقله كالمكره، وذلك لما في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال: اللهم هالة بنت خويلد، فقلت: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر فأبدلك الله خيرا منها» ؟ الغيرة بفتح الغين مصدر غار الرجل يغار غيرة وغيرا وغارا. والغيرة بكسر الغين الميرة والنفع. .
وقولها: حمراء الشدقين أي: لم يبق بشدقها بياض شيء من الأسنان قد سقطت من الكبر.
قال الطبري وغيره من العلماء: الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك، ولهذا لم يزجر عائشة وقال القاضي عياض: عندي أن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها، وأول شبيبها، ولعلها لم تكن بلغت حينئذ، كذا قال وهذا لا يمنع الإنكار زجرا وتأديبا كسائر المحرمات.
وفي الصحيحين أيضا عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني أعرف إذا كنت راضية عني وإذا كنت علي غضبى قالت: فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم قلت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك» قال القاضي عياض: مغاضبة عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو مما سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام لعدم انفكاكهن منها حتى قال مالك وغيره من علماء المدينة: يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة قال واحتج بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله» قال القاضي عياض: ولولا ذلك كان على عائشة - رضي الله عنها - في ذلك من الحرج ما فيه، لأن الغضب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهجره كبيرة. عظيمة ولهذا قالت لا أهجر إلا اسمك. فدل على أن قلبها وحبها كما كان، وإنما الغيرة في النساء لفرط المحبة. انتهى كلامه.
{إلا من ظلم}
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع