مدونة عصام خضير مجيد المشايخي |


الاتجاهات الحديثة للموارد البشرية في ظل التحولات المرتقبة

د. عصام خضير المشايخي | Isam K. Majeed


28/10/2020 القراءات: 786  


الاتجاهات الحديثة للموارد البشرية في ظل التحولات المرتقبة
بقلم: م.م عصام خضير المشايخي
تعد الموارد البشرية احدى اهم مدخلات العملية التنظيمية وفق نظرية النظم , ومرتكزا رئيسا لقياس سرعة نمو المنظمات وتقدمها , علاوة على قدرتها على مواكبة التغيرات البيئية من عدمها . ان التطورات التي شهده هذا القطاع الحيوي جعل منها محورا رئيسا وشريكا استراتيجيا في قيادة المنظمة على طريق التنمية العالمية , فما شهدته فترة الثمانينات من القرن المنصرم من تحولات اقتصادية وما تمخض عن العقد التسعيني من افرازات في شكل وطبيعة المنتج والخدمة ونوعية العمالة يحمل دلالات كثيرة تدعونا الى التامل والترتقب , بيد ان العقد الاول من الالفية الجديدة كان ولا يزال مرتبطا بالثورة الرقمية وعالم الانترنت , بما في ذلك ما شهده العقد من تقلبات بين موجات الانتعاش والهبوط الحاد.
ان المتتبع لمنحنى التغيير عبر القاء نظرة سريعة وفاحصة على مؤشراته يخرج بانطباع اولي بان وتيريته تصاعدية , ليس هذا فحسب بل ان العقد الثاني من القرن الجديد شهد بروز عدة مفاهيم ساهمت في تشكيل معالمه وبلورة كينونته ومنها على سبيل المثال لا الحصر (الاقتصاد المعرفي والتنمية المستدامة وادارة المعرفة والادارة الذكية والادارة الرشيقة وراس المال النفسي والعملات الرقمية والمواطنون الرقميون) , إذ تتجه سبل التطور والتقدم نحو معدلات فائقة السرعة لا تحمد عواقبها , بحيث يتعذر على البعض مواكبتها , فقط تلك المنظمات التي تمتلك فئة مميزة من الموارد البشرية والتي تتسم برصيد فكري ومعرفي ونفسي , فضلا عن حيازتها نطاق شاسع من صور التقدم التكنولوجي , فهو الجيل القادم من الموارد البشرية دون ادنى شك.
على سبيل المثال , بدأ فيسبوك في عام 2004 في انشاء قاعدة بيانات للمستخدمين بحوالي 4% من التعداد السكاني للولايات المتحدة الامريكية ممن يمتلكون حسابات عليه , ليصل في عامنا هذا الى 1.2 مليار مستخدم ممن يدخلون الى الموقع يوميا حول العالم , وهذا يعني في لغة الارقام ان واحد من كل سبعة اشخاص في العالم يلجون الى هذه المنصة الرقمية يوميا. ومن الارقام المثيرة للدهشة كذلك ان موقع البحث العالمي (Google) يدير حوالي 40,000 عملية بحث في كل ثانية من شتى بقاع الارض .
ففي ظل هذا السياق المتسارع لطبيعة الاعمال وبيئتها , اجرت جامعة اكسفورد في عام 2013 دراسة بحثية توصلت الى الفرضية القائلة ان ما يزيد عن 50% من الوظائف الحالية (في الولايات المتحدة) من المحتمل ان يستغنى عنها أو تستبدل بطرق الاتمتة أو دخولها الى العالم الرقمي. إذ تشير التوقعات الى تقنين بعض الوظائف المهمة في عالمنا الحاضر كوظيفة الطبيب والصيدلاني والاستعاضة عنها بما يسمى بالخارطة الجينية للانسان التي ستكون موضوعة عند احد المراكز الطبية , فحينما تصاب برشح ترسل طلبا الى المركز الذي يحتفظ بنسخة من خارطتك الجينية ليقوم بارسال الدواء لك.
لذا بات من الضرورة بمكان ان تستعد جهات الموارد البشرية لثورة التجديد , ذلك الحدث الذي يشير المنتدى الاقتصادي العالمي اليه بانه الثورة الصناعية الرابعة . وبحسب مؤسسة كوجان بيج , فلم يتسنى للموارد البشرية من قبل التعامل مع هذا النوع من القضايا , فالنماذج والتحولات السابقة مثل نقل الاعمال الى خارج البلاد والاستعانة بمصادر خارجية والصور المبكرة من التحول الى الاتمتة لم تكن سوى تقلبات محدودة في ميدان العمل بالمقارنة بما توقعه العديد حول هذه التحولات.
ان التحدي الحقيقي الذي تواجهه الموارد البشرية يكمن في كيفية الاستجابة لهذه التحديات المستقبلية والالية التي تتمكن من خلالها الاضطلاع بالدور المنوط بها كي تصبح قوى تحويلية دائمة في ميدان العمل وكيان مبدع ومتكيف ومن الجهات الرائدة في الامتثال , خاصة مع السمعة التي تشوبها من كونها ضرورة رفاهية يمكن الاستغناء عنها.
قد تدفع الاسباب اعلاه العاملين بالموارد البشرية الى الاستعانة بمزيد من منهجية الادارة الذكية والتفكير التصميمي المقترن بمنهجيات الادارة الرشيقة باعتبارها منهجيات من شانها تمكين بيئات العمل في القرن الحالي , فضلا عن تشكيل منظور خاص بالموارد البشرية ليتواسق مع التحولات المرتقبة التي بدات طلائعها تلوح في الافق ولاجل ذلك ينبغي ان تكون قادرة على القيام بالمهام الاتية:
• الاستشعار: الاستجابة للتغيرات التي تطرأ على الاسواق القابلة على التكييف لتصبح من خيارات اسلوب المعيشة , علاوة على التفضيلات واحدث صور التنمية في العالم الذي يحيط بالحياة العملية ويقدم الدعم المطلوب لها.
• الاستيعاب : التعامل مع عمليات الدمج والشراء والمزيد من العمليات خارج النطاق التعاقدي , مثل الثراء الثقافي والتكامل الريادي وصور الالهام والانتماء وتعزيز الاهداف .
• المناصرة : الدفاع أو تهئية البيئة للاشخاص الاكثر موهبة للعمل مع المنظمة.
• التضمين : الوقوف على احتياجات الافراد واشراكهم والاستجابة لها وتلبيتها بغية تحقيق النجاح المستدام والابتكار والوفاء.
• الهندسة : طرح افضل الاقتراحات الممكنة الخاصة بتجربة العمل التي من شانها تمكين المنظمة من تحقيق اهدافها والعمل على استدامة نجاحها .
ان الاخذ بهذه المواطن الخاصة بالتحول الاستراتيجي من قبل قادة المنظمات والعاملين في قطاع الموارد البشرية وجعلها جزء من حالتهم الذهنية والمعرفية فاننا بلا شك نحصل على فئة مميزة من الموارد البشرية التي تتسم بالمهارة التخصصية والمرونة اللازمة للاستجابة والتكيف مع التحولات المرتقبة والقدرة على التنبوء في ميدان العمل الحديث لان المستقبل القريب لا يشغله إلا الرقميون.


التحولات المرتقبة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع