مدونة الدكتور محمد محمود كالو


رمـضـان شـهر القرآن، ومدرسة: سباق، وأخلاق، وأرزاق (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


09/04/2022 القراءات: 550  


رمــضـــان شـــــــــهـــر الــقـــرآن
ومدرسة سباق، وأخلاق، وأرزاق

فتحت جامعات الأخلاق قاعاتها، وأكاديميات الإيمان أبوابها، ومدارس الصيام صفوفها، ورياض الذكر بدأت في استقبال زوارها، فدخل العبَّاد والزهاد وأهل الجهاد، من الصائمين والقائمين وقراء القرآن، والمنفقين والقانتين والركع السجود، ليجمعوا أمرهم، ويغسلوا أدرانهم، ويطهروا أجسادهم، ويرمضوا ذنوبهم، ويرضوا ربهم، ويسعدوا بدينهم في موسم الطاعات ومنهل الخيرات.

إن شهر رمضان فرصة الزمان، وشهر الكتب السماوية والقرآن قبل أن يكون شهر الصيام، قال الله تعالى:﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". [رواه الطبراني في "الكبير"، وأحمد في المسند].

وللقرآن في رمضان مزايا خاصة، فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: كان رسولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.

وقرن النبي صلى الله عليه وسلم جامعاً بين الصيام والقرآن وذكر أنهما يشفعان للعبد يوم القيامة، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَان لِلْعَبْدِ يَوْم الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ؛ مَنَعْتهُ الطَّعَام وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ؛ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيشفَّعَانِ".[أخرجه أحمد في المسند].

وها هي الأيام تتوالى والليالي تتسارع، الزمن يدور والحياة تسير، من عام إلى عام تنقل الإنسان وتحمل لنا البشرى بقدوم شهر رمضان، تزيد الصائم من الإيمان وتدفعه إلى البر والاحسان، و تأخذه إلى الرحمة والغفران وترشده إلى العتق من النيران..
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا وَحَضَرَ رَمَضَانُ : " أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ ، فِيهِ خَيْرٌ يُغَشِّيكُمُ اللَّهُ فِيهِ ، فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ ، وَتُحَطُّ الْخَطَايَا ، وَيُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ ، فَيَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلائِكَتَهُ ، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مِنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "[مسند الشاميين للطبراني: رقم 2196].

ويقول الحسن البصري رحمه الله: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا!!! فالعجبُ من االلاعب الضّاحك في اليوم الذي يفوزُ فيه المحسنون! ويخسرُ فيه المبطلون!!

نعم فالجنة مفتحة، والنيران مغلقة، والشياطين مصفدة، والحسنات مضاعفة، نفحات يجب أن نستعد لها ورحمات يجب أن نتأهب لها، فالإنسان لا يقبل على حدث إلا ويستعد له؛ فالطالب حين يقترب الامتحان تراه يستعد، والمقبل على زواج تراه يستعد، والذي يبغي سفراً يستعد له، فالاستعداد أمر فطري، وجميع المسلمين يستعدون لدخول شهر رمضان من العام إلى العام.
اقرأ أيضاً : قصة غاية في الروعة والجمال( اللص والمرأة الصالحة)
فكم نعرف أناسًا كانوا معنا في رمضان الماضي وليسوا معنا في عامنا هذا، وكم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر:
كم كنتَ تعرف ممن صام في سلف من بيـن أهل وجيـران وخلان
قد محاهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب الذاهب من القادم!

واسمع إلى معلى بن الفضل وهو يقول: كانوا "يعني الصحابة رضوان الله عليهم" يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: "اللهم سلّمني لرمضان، اللهم سلم لي رمضان، وتسلّمه منّي متقبّلاً."


شهر رمضان، مدرسة، أخلاق ، أرزاق، سباق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع