مدونة د. ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ عدوي


"صدمة" كورونا.. أي ثقافة جديدة تُحضر للشعوب؟... 2

د. عبد الله عدوي | Assoc. Prof. Dr. Abdallah Adway


26/05/2020 القراءات: 4420  


استكمال للمقال السابق..
من يملك البيانات يملك قوة هائلة على التغيير، فالبيانات وتحليلها يقود إلى الفهم، ومن يفهم المجتمعات يمكنه معرفة كيفية التعامل معها وتغييرها وصناعتها، لذا نجد بعض الدول قد تنبهت لصدمة كورونا واتجهت للحد من انغماس شعوبها بالتطبيقات الدولية، مسارعة لتوفير تطبيقات خاصة بها لضمات الخصوصية، فالتطبيقات وإن كانت مجانية الاستخدام إلا أنها تشترط مقابلا لخدماتها، كالسماح لها بالولوج لكاميرا الهاتف أو الصور المخزنة والأرقام المسجلة والميكرفون... فلا شيء مجانا في عالم الرقمية، فكل شيء له مقابل.. فبيانات المستخدمين هي مراد أغلب أصحاب التطبيقات والبرامج، والبيانات تسهل على مالكها تحقيق أهدافه الاقتصادية والترويج للإعلانات التي تشكل مصدر دخل مادي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالإضافة لإمكانية الاستفادة من هذه البيانات لأغراض سياسية، وبين السياسة والاقتصاد تكون الثقافة مدخلا للتغيير الناعم، فالعقلية الاقتصادية تتطلب ثقافة منسجمة معها تحقق بغيتها وتتماشى مع ما تريد. لكن كيف كانت صدمة كورونا؟
هرعت مختلف وسائل الإعلام في مختلف دول العالم لبث الأرقام ونشر التقارير الطبية والإجراءات الوقائية والتنفيذية لحكومات الدول التي أصابها الفايروس، فكانت حديث الإعلام الذي تصدر المشهد الإعلامي منذ ظهر الفيروس في الصين نهاية العام الماضي، ففرض الحجر الصحي في مختلف دول العالم، حتى إن بعض البيئات التي لم يظهر فيها المرض بات سكانها منعزلين في بيوتهم طواعية أو جبرا، كما أن أنماط حياة الشعوب الجديدة وتوقف الحياة الطبيعية الاعتيادية من التعليم والعمل والعبادة .. تشكل صدمة تحجب المجتمعات عن ماضيها مدة من الزمن، وتحرمهم من ممارسة حياتها الطبيعية، وتهيئهم لمرحلة جديدة فرضتها طبيعة الحياة في الواقع الجديد، ليكون لها انعكاسها لاحقا على أنماط حياتهم مستقبلا، وكما أسلفنا فمن يملك البيانات يملك قوة صناعة الأنماط الثقافية الجديدة التي يراد لها تسيد المشهد الحياتي للمجتمعات.
الفترة الزمنية التي مرت علينا في ظل كورونا تخللتها مناسبات اجتماعية ودينية ووطنية كثيرة، رمضان وموسم العمرة ويتوقع الحج أيضا، أعياد وأفراح وأتراح، فهل نشهد تغيرات على صعيد عاداتنا وتقاليدنا العربية؟ وهل تحمل السنوات القادمة تحولات في تعاطينا مع هذه المناسبات والشعائر والعادات؟
تأخذ الثقافة الجديدة بعد الصدمة أبعادا سواء إيجابية أو سلبية، وذلك عائد إلى تأثيراتها على معتقدات وقيم وتقاليد الشعوب، فقد تشكل الصدمة فرصة حقيقة للتغير الاجتماعي، فليس بالضرورة النظر إلى نصف الكأس الذي تملؤه القوى العابرة للقارات بمصالحها المادية عبر بوابة الثقافة العالمية الجديدة فحسب، إذ إن لكل مجتمع القدرة على تطوير ذاته واستبدال ما لديه من عادات وتقاليد غير حسنة وتعزيز الإيجابية، فعلى صعيد العادات الاجتماعية رأينا كيف حطت المادية من قيمة الإنسان وجعلته آخر ما في حساباتها، فيما تجلت قيم مجتمعات أخرى في حفظ هذه القيم وتعزيز التعاون والتآزر في ظل الأزمة، فضلا عن النظافة والاعتناء بالبيئة، وبالرغم من ذلك فمجتمعاتنا العربية فيها من العادات التي يمكن الاستفادة من صدمة كورونا في تغييرها أو التنبه لأهمية تعديلها.
الصدمة بكورونا سواء بقصد أو بغير قصد خلقت للمجتمعات نموذجا كان أول من تجرع المرض وأول وأسرع المتعافين منه، بل والأقل تضررا، فالصين شكلت النموذج الناجح الذي استطاع بطبيعة نظامه الأمني والسياسي وتركيبته السلطوية والرقمية حفظ المجتمع من تطور المرض وامتداده لمآلات أخطر، خلافا لما حدث في أوروبا وأمريكا ذات النظم الديمقراطية، فهل يمكن أن تشكل هذه المفارقة غرسا ثقافيا متباينا مع الديمقراطية ومتناغما مع الديكتاتورية؟
ماذا عن الطبقة الفقيرة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تسببها أزمة كورونا؟ وماذا عن الطبقة الوسطى؟ وإلى متى تصمد هذه الطبقات في ظل فقدان ملايين الوظائف وتوقف الأعمال؟ وماذا يمكن أن تتمخض عنه مآلات هذا الوضع الجديد؟
الإنسان الذي مكث في بيته مدة طويلة لم ير فيها ضوء الشمس، لا سيما شريحة الأطفال الذين بات جلهم يقضون أوقاتهم بين دفات الألواح الذكية والهواتف، كيف سيؤثر ذلك على مستقبلهم وعلاقتهم بهذه التقنيات؟ علما أن هذه العلاقة تضاعفت تحت وطأة شح البدائل أمام الأهل، فكيف سيخرج الطفل من عالم كورونا إلى العالم الحقيقي؟ وهل سيرجع لماضي عهده، أم ان العالم الجديد بثقافته الجديدة ستكون خياره الذي لا مجال للانفكاك عنه؟ وهل ستسير المؤسسات والجامعات والشركات ويجاريهم بها الأفراد في ذات المسار نحو تعزيز ثقافة العمل والدراسة بهذا النمط؟ صحيح أن الأمر جوبه بصعوبة في بدايته، إلا أنها مع مرور الوقت صارت تأخذ منحى إيجابيا في التعاطي معها، ومع امتداد المدة زمانيا تزيد القناعة بنجاعتها لتتحول إلى مواقف تقود لسلوك داعم لمضامين الثقافة الجديدة.


البيانات الضخمة Big Data- الصدمة- كورونا - ثقافة جديدة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع