مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
ضوابط حج البدل أ.د. محمد محمود كالو
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
14/07/2024 القراءات: 247
ضوابط حج البدل
حج البدل: هو أن يقوم شخص مؤهل بتأدية فريضة الحج نيابة عن شخص متوفى أو عاجز عجزاً مزمناً أو مريض، وذلك لمن يرغب في المساهمة براً وصدقة عن أحد والديه أو أقربائه بالحج عنهم، أو لمن يرغب في الحج عن شخص لا يستطيع الحج أو غير قادر.
لكن كثيراً من الناس يتساهل في حج البدل، ولا يعرف ضوابطه وشروطه، فحج البدل له ضوابط وشروط وأحكام، منها :
1- لا يصح حج البدل في حجة الإسلام عن القادر الذي يستطيع الحج ببدنه .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"لا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب من يقدر على الحج بنفسه إجماعاً، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الإسلام وهو قادر على أن يحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه" انتهى .
" المغني " ( 3 / 185 ) .
2- حج البدل يكون عن المريض مرضاً لا يرجى برؤه، أو عن العاجز ببدنه، أو عن الميت، دون الفقير والعاجز بسبب ظرف سياسي أو أمني .
قال النووي رحمه الله تعالى:
"والجمهور على أن النيابة في الحج جائزة عن الميت والعاجز الميئوس من برئه، واعتذر القاضي عياض عن مخالفة مذهبهم – أي: المالكية - لهذه الأحاديث في الصوم عن الميت والحج عنه بأنه مضطرب، وهذا عذر باطل، وليس في الحديث اضطراب، ويكفى في صحته احتجاج مسلم به في صحيحه .
" شرح النووي على مسلم " ( 8 / 27 ) .
والحديث الذي أشار إليه النووي رحمه الله تعلى وذكر أن بعض المالكية حكم عليه بالاضطراب هو:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ: (وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا). رواه مسلم ( 1149 ) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"واتفق من أجاز النيابة في الحج على أنها لا تجزى في الفرض إلا عن موت أو عضَب – أي: شلل -، فلا يدخل المريض؛ لأنه يرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه" انتهى .
" فتح الباري " ( 4 / 70 ) .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "فصل: ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه فرضاً كان أو تطوعاً؛ لأنها عبادة تدخلها النيابة فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه كالزكاة". انتهى.
3- حج البدل لا يكون عن العاجز ماليّاً؛ لأن الحج تسقط فرضيته عن الفقير، إنما حج البدل عن العاجز ببدنه.
قال الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].
4- لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن غيره إلا أن يكون قد حجَّ عن نفسه، فإن فعل فتقع حجته عن نفسه لا عن غيره.
لما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعَ رجلًا يقولُ: لبَّيكَ عن شُبرمةَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مَن شُبرمةُ؟ قالَ: قريبٌ لي، قالَ: هل حجَجتَ قطُّ؟ قالَ: لا، قالَ: فاجعَل هذِهِ عَن نَفسِكَ ثمَّ حُجَّ عن شُبرمةَ).
5- إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه سواء أوصى بذلك أو لم يوص .
وقال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى:
عن داود أنه قال: قلت لسعيد بن المسيب: يا أبا محمد، لأيهما الأجر أللحاج أم للمحجوج عنه؟ فقال سعيد: إن الله تعالى واسع لهما جميعاً.
قال ابن حزم: صدق سعيد رحمه الله تعالى.
" المحلى " ( 7 / 61 ) .
وما يفعله الموكَّل من أعمال خارج النسك كالصلاة في الحرم وقراءة القرآن وغيرها فأجرها له دون من وكَّله.
6- الأفضل أن يحج ويعتمر الولد عن والديه، وهذا من البرّ لهما والإحسان إليهما، وكذلك القريب عن قريبه، وهذا من صلة الأرحام، لكنهما إن استأجرا أجنبيّاً جاز، وينبغي تحري أهل الخير والصدق والعدل والثقة والأمانة والعلم بمناسك الحج، حتى يطمئن إلى قيامه بالواجب.
7- لا يشترط لمن يُحج عنه أن يُعرف اسمه، بل تكفي نية الحج عنه، وإذا نسي اسمه فإن الله تعالى لا ينسى، قال الله تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طه:52].
8- لا يجوز لمن وُكِّل بالحج عن غيره أن يوكِّل غيره إلا برضا من وكَّله، لأن الوكالة في الحج معلومٌ أنه لم يوكل إلا بعد النظر والسؤال والتحري؛ لأنه يريد وكيلًا من أهل الدين والصلاح.
9- لا يجوز للنائب إذا شرع في الحج وأحرم به الرجوع ولا توكيل غيره ولو كان متبرعاً، لأن الحج والعمرة يلزمان بالشروع فيهما كما قال تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة:196].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما؛ ولهذا قال بعده: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} أي: صُدِدْتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما. ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة مُلْزِمٌ، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها". انتهى.
وقال الخطيب الشربيني مبيناً أن النائب في الحج ليس له الرجوع بعد التلبس بأفعال النسك: "ولو رجع المطيع ولو بعد الإذن له عن طاعته قبل إحرامه جاز؛ لأنه متبرع بشيء لم يتصل به الشروع، أو بعده فلا لانتفاء ذلك". انتهى.
حج البدل، ضوابط، حجة الإسلام، الحج الواجب، النيابة، شبرمة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع