مدونة د علي الشيخي


حسن اختيار الزوجة وأثرة في تربية الأبناء

د علي الشيخي | dr Ali Alsheikhi


27/10/2021 القراءات: 2902  


الزواج علاقة مقدسة تجمع الرجل والمرأة على الود والرحمة والاحتواء والمشاركة, والزوجة الصالحة تحفظ بيت الزوجية , ففي الحديث : كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ. (متفق عليه).
والأم هي مربية الأجيال، وصانعة الرجال، والأمينة على أخلاق الأطفال، والمدرسة الأولى في تنمية أخلاق العيال، وتعديل سلوكيات الأطفال؛ كما قال حافظ إبراهيم رحمه الله : الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها -- أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ.
وقد حثّ الإسلام على حسن اختيار الزوجة الصالحة, قال تعالى:{وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور : 32), فإذا ما أصبحت هذه الزوجة الصالحة أماً , فإنها سوف ترضع أبناءها الصلاح والتقى , وإن كانت على خلاف ذلك , نشأ الأبناء نشأة غير سوية, وكانوا معاول هدم في مجتمعاتهم, وقد حث الإسلام على اختيار الزوجة ذات الحياء والدين, حيث جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ. (البخاري : 5090).
فالفوز بذاتِ الدِّينِ تَكسِبُك منافِعَ الدَّارَينِ, وجاء في حديث ضعيف: تَخيروا لنطفِكمْ, فإنَّ النساءَ يلدنَ أشباهَ إخوانِهنَّ وأخواتِهِنَّ , ومع ضعف هذا الحديث إلاّ أن المعنى صحيح.
وعندما وصف القرآن ابنة الشيخ الكبير صاحب مدين, لم يصفها بجمالها ولا بطولها ولا بحسبها ونسبها, وإنما وصفها بحيائها , قال تعالى : {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ ......} (القصص : 25), قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية : مشيها على استحياء يدل على كرم عنصرها وخلقها الحسن, فإن الحياء من الأخلاق الفاضلة , وخصوصاً في النساء. (1432: 720).
ولقد خلد لنا التاريخ أمهات خالدات كنّ رموزًا من رموز الإسلام، فخرج من تحت أيديهن نجوماً أناروا دروب الحياة , ومن أمثلة هؤلاء النساء : أم الإمام أحمد بن حنبل الذي عاش ابنها يتيماً في كنفها، فتكفلت بتربيته, وحفّظته القرآن الكريم ولمّا يبلغ العشر سنوات, وكانت توقظه لصلاة الفجر - وهو صغير - وتجهز له الماء ، ثم تتغطى بحجابها وتذهب معه إلى المسجد لأنه بعيد، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره, قالت له : اذهب في طلب الحديث؛ فإن السفر في طلب الحديث هجرة إلى الله الواحد الأحد, وأعطته متاع السفر , عشرة أرغفة شعير ووضعت معها صرة ملح، وقالت يا بني: إن الله إذا استودع شيئًا لا يضيعه أبدًا , فاستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
ومنهن هؤلاء الأمهات : أمّ الإمام الشافعي, وكانت ذات حذق وذكاء وتفقه في الدين, فعملت على تنشئة ابنها تنشئة دينية صالحة, حيث ارتحلت به حين بلغ عامين من عمره من غزة- مسقط رأسه- إلى مكة المكرمة؛ حيث العلم والفضل، وحيث البادية حولها , والتي فيها يقوّم لسان الغلام , وتصح لغته, وكان الإمام الشافعي- رحمه الله- هو ثمرة جهود تلك المرأة الفاضلة.
ومنهن أيضاً : العالية بنت شريك بن عبد الرحمن الأسدية أم الإمام مالك, حيث دفعت بابنها لحفظ القرآن الكريم, فحفظه وهو صغير, وأرسلته إلى مجالس العلماء, وألبسته أحسن الثياب وعممته، ثم قالت له: اذهب فاكتب الآن , ولم تكتف أمه بالعناية بمظهره , بل كانت تختار له ما يأخذه عن العلماء, فقد كانت تقول له: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه.
أما بائعة اللبن أم عمارة بنت سفيان بن عبدالله بن ربيعة الثقفي ، فكانت فتاة همها الأول رضا الله سبحانه وتعالى في السر والعلن , وقد كان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجموعة من بائعي اللبن ، يقومون بخلط اللبن بالماء حتى يزداد حجمه ، ويكسبون فيه أضعافًا ، فذهب الناس لأمير المؤمنين يشكون إليه من بائعي اللبن, فأرسل أمير المؤمنين مناديًا ينادي في الأسواق , أنْ يا بائعي اللبن لا تشوبوا اللبن بالماء ، فتغشوا المسلمين ومن يفعل ذلك فسوف يعاقبه أمير المؤمنون عقابًا شديدًا .
فخرج الخليفة ذات ليلة مع خادم له يدعى أسلم ليتفقد أحوال الرعية بالليل ، ثم جلس ليستريح بجوار أحد الجدران فسمع امرأة تقول لابنتها: يا بنيتي هيا قومي فاخلطي اللبن في الماء ، فقالت الفتاة لوالدتها يا أماه أما سمعت ما قاله منادي أمير المؤمنين اليوم ؟.
فقالت الأم لابنتها وما قاله منادي عمر ، فقالت الابنة : إنه أمر ألا يخلط اللبن بالماء ، فقالت الأم لابنتها يا بنيتي قومي فاخلطي اللبن بالماء فإنك في موضع لا يراه عمر ولا منادي عمر ، فردت الفتاة على والدتها : والله يا أماه ما كنت أطيعه في العلن وأعصيه في الخفاء ، وإن كان عمر لا يرانا فإن الله سبحانه وتعالى يرانا , فلما سمع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كلامها , طلب من خادمه وضع علامة على باب بيتهم ، وفي الصباح أمر خادمه أن يذهب ويستطلع أحوال تلك الفتاة , فيما إذا كان لها زوجًا أم لا ، فعاد الخادم إلى نفس المكان, فلما سأل عن أحوال أهل البيت، علم أن الفتاة لا زوج لها, فخطبها عمر بن الخطاب , وزوجها لابنه عاصم ، وقد كان من نسل هذه المرأة الفاضلة السيدة ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، والتي تزوجت من عبدالعزيز بن مروان , ابن الخليفة الأموي مروان بن الحكم ، وأنجبت منه عمر بن عبدالعزيز أحد خلفاء بني أمية , الذي لُقب بخامس الخلفاء الراشدين لشدة ورعه وعدله .
وقد استطاعت أم توماس أديسون تحويل ابنها من طالب فاشل كما وصفته مدرسته, إلى مخترع للكهرباء , حيث أضاء العالم باختراعه الذي توصل إليه نتيجة تشجيع أمه , ودعمها له, وقد قال أديسون في وصف أمه : إن أمي هي التي صنعتني، لأنها كانت تحترم


الأبناء الزوجة الصالحة الأم مدرسة صناعة الرجال .


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع