مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


حقوق الناس نوعان (مادية ومعنوية )(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


07/12/2022 القراءات: 730  


واحتج أصحاب هذه المقالة بأن إعلامه مفسدةٌ محضةٌ لا تتضمن مصلحة، فإنه لا يزيده إلا أذىً وحنقًا وغمًا، وقد كان مستريحًا قبل سماعه، فإذا سمعه ربما لم يصبر على حمله وأورثته ضررًا في نفسه أو بدنه...وما كان هكذا، فإن الشارع لا يبيحه فضلًا عن أن يوجبه ويأمر به. قالوا: وربما كان إعلامه به سبباً للعداوة والحرب بينه وبين القائل، فلا يصفو له أبدًا ويورثه علمه به عداوةً وبغضاء مولدةً لشرٍ أكبر من شر الغيبة والقذف، وهذا ضد مقصود الشارع من تأليف القلوب والتراحم والتعاطف والتحابب. قالوا: والفرق بين ذلك وبين الحقوق المالية وجنايات الأبدان من وجهين: أحدهما: أنه قد ينتفع بها إذا رجعت إليه، فلا يجوز إخفاؤها عنه، فإنه محض حقه، فيجب عليه أداؤه إليه بخلاف الغيبة والقذف، فإنه ليس هناك شيء ينفعه يؤديه إليه إلا إضراره وتهييجه فقط، فقياس أحدهما على الآخر من أفسد القياس. والثاني: أنه إذا أعلمه بها لم تؤذه ولم تهج منه غضبًا ولا عداوة، بل ربما سرَّه ذلك وفرح به بخلاف إعلامه بما مزق به عرضه طول عمره ليلًا ونهارًا من أنواع القذف والغيبة والهجو، فاعتبار أحدهما بالآخر اعتبارٌ فاسدٌ، وهذا هو الصحيح في القولين كما رأيت والله أعلم. (مدارج السالكين 1/291-292). وما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم منقول عن جماعة من السلف واختاره جماعة من العلماء المتقدمين كابن الصلاح وابن مفلح وجماعة من المعاصرين وهذا الذي أميل إليه، قال حذيفة رضي الله عنه: "كفارة من اغتبته أن تستغفر له"، وقال عبد الله بن المبارك: "التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته"، وقال مجاهد: "كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه وتدعو له". ومما يؤيد هذا القول أن اشتراط الاستحلال قد يؤدي إلى أذية صاحب الحق وزيادة الجفوة بينهما، وخاصة أن نفوس الناس في زماننا قد لا تتحمل الإخبار بما قد تم من الغيبة والنميمة ونحوها من المظالم. قال ابن مفلح الحنبلي: "وهذا أحسن من إعلامه فإن في إعلامه زيادة إيذاءٍ له، فإن تضرر الإنسان بما علمه من شتمه أبلغُ من تضرره بما لا يعلم، ثم قد يكون سبب العدوان على الظالم أولًا، إذ النفوس لا تقف غالبًا عند العدل والإنصاف، فتبصر هذا ففي إعلامه هذان الفسادان، وفيه مفسدة ثالثة ولو كانت بحق وهو زوال ما بينهما من كمال الألف والمحبة، أو تجدد القطيعة والبغضة، والله تعالى أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة، وهذه المفسدة قد تعظم في بعض المواضع أكثر من بعض، وليس في إعلامه فائدة إلا تمكينه من استيفاء حقه، كما لو علم، فإن له أن يعاقب إما بالمثل إن أمكن أو بالتعزير أو بالحد، وإذا كان في الإيفاء من الجنس مفسدةٌ، عُدل إلى غير الجنس كما في القذف، وفي الفدية وفي الجراح إذا خيف الحيف" (الآداب الشرعية 1/65). وقال الشيخ ابن القيم: "إن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول اللهم اغفر لنا وله، ذكره البيهقي في الدعوات الكبير وقال في إسناده ضعف، وهذه المسألة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد وهما: هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب أم لا بد من إعلامه وتحليله؟ والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها"، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. والذين قالوا لا بد من إعلامه جعلوا الغيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها وأن شاء تصدق بها، وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع، فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمي به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله فان الشارع الحكيم لا يبيحه ولا يجوزه فضلًا عن أن يوجبه ويأمر به ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها لا على تحصيلها وتكميلها والله تعالى أعلم. (الكلم الطيب). وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي: "وأما العرض فإن اغتبته أو شتمته، أو بهته فحقك أن تكذب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده، وأن تستحل من صاحبه إن أمكنك هذا، إذا لم تخش زيادة غيظ وتهييج فتنة في إظهار ذلك وتجديده، فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك" (الفتاوى الكبرى 6/92-93). وخلاصة الأمر أن التوبة من التعدي على الحقوق المعنوية للناس ينبغي لها التحلل منهم لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور سابقًا (فليتحلله) ولكن إذا خشي ترتب مفاسد على ذلك الاستحلال، فيكفي أن يستغفر لمن تعدى عليه، وخاصة إذا لم يعلم المعتدى عليه بالتعدي. اللهم يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة أيقظنا من نوم الغفلة ونبهنا لإغتنام أوقات المهلة ووفقنا لصالحنا واعصمنا من قبائحنا وذنوبنا ولا تؤاخذنا بما انطوت عليه ضمائرنا واكنته سرائرنا من أنواع القبائح .

والمعائب التي تعلمها منا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


حقوق الناس نوعان (مادية ومعنوية )(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع