مدونة عبدالحكيم الأنيس


بين يدي كتاب "بسط اليدين لإكرام الأبوين" (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


02/03/2023 القراءات: 881  


1- مقدِّمة:
أيُّها الإخوة والأخوات:
نحن اليوم مع موضوع من أعظم الموضوعات، وإرشادٍ من أجلِّ الإرشادات، يشهد للإسلام بالحقِّ، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالصِّدق، وما في الدنيا ولا في ثقافاتها مثله، ذلك هو برُّ الوالدين، فليعتزَّ المسلمون بدينهم، وأخلاقهم، وعاداتهم الجميلة، وطرائقهم الحميدة، فإنَّهم في ذلك على مفاخر لا يضاهيهم فيها مضاهٍ على وجه الأرض.
والوالدان -معشر الإخوة- في عالم الإسلام وعند المسلمين وفي بيوت المسلمين؛ سلطانان متوَّجان بتيجان المحبَّة، والتَّقدير، والإكبار، والاحترام، والخدمة، والرِّعاية، وما قيل في الوالدين، في حياتهما وبعد وفاتهما، يملأ خزانة بتمامها، ومن أجمل صور ذلك التُّراث رثاؤهما، وقد أبدع الأدباء والشُّعراء والعلماء في ذلك أيَّما إبداع.
2- الهند.. البلد الإسلاميُّ العظيم:
كتابنا اليوم من تراث الهند، وفي الهند لنا تاريخ عظيم جليل، وفي الهند لنا تراث كبير ضخم، ومن الجميل، بل من المهمِّ أيضًا، أن نقرأ ما كتبه المؤرِّخون والأدباء والكُتَّاب عن الهند، ومنهم مثلًا ما كتبه الشَّيخ عليّ الطَّنطاوي، واقرؤوا ما قاله في صدر كتابه (رجال من الإسلام) قال:
«إنَّ في كتب التَّاريخ والأدب، والمحاضرات والرَّحلات، آلافًا من سير العظماء ليست في كتب التَّراجم على كثرتها،
من ذلك أنَّني كنت أتسلَّى مرَّة بالنَّظر في رحلة ابن بطوطة، فاستخلصتُ منها تراجم كثيرين، منهم السُّلطان المسلم العادل طرمشيرين من حَفَدة جنكيز خان المسلمين، وكان يحكم مملكة واسعة المدى، مترامية الأطراف، كثيرة الجيوش، واسعة الخيرات، فهل سمعتم باسم طرمشيرين؟ وهل سمعتم بمن حكم روسيا من ملوك المسلمين، وكان لهم فيها حكومة عظيمة القدر، عاشت حينًا من الدَّهر، كانت تسمَّى دولة البلغار، وكانت عاصمتها بقرب ستالينغراد؟ ولن أسرد عليكم كلَّ ما قلت فيها فارجعوا إن شئتم إليه تطَّلعوا عليه.
ولمَّا كُتب لي أن أزور القارَّة الهنديَّة وأندنوسيا رأيت للمسلمين فيها تاريخًا ما كنت أعرفه، ولا كان مما يدرَّس في المدارس، ولا ممَّا يوجد في الكتب التي اطَّلعنا عليها، تاريخًا ينتظر الباحث المخلص الذي يحيط به، والقلمَ البليغ الذي يكتبه، وفي هذا الكتاب مثال صغير عليه في سيرة أورنكزيب، والملك الصَّالح، وسلطانة الهند، ومن نظر في كتابي عن أندنوسيا وقرأ قصَّة دخول الإسلام إليها لرأى فيها شاهدًا آخر على ما أقول...» إلى آخر ما قال.
ولْنقرأ لزامًا ما كتبه الشَّيخ الطَّنطاوي أيضًا في كتابه (ذكريات) ومن ذلك مثلًا في (5/261)، فقد كتب مقالًا مهمًّا، هو حلقة من حلقات الذِّكريات، بعنوان (قصَّة باكستان)، وباكستان وبنغلادش والهند شيء واحد، ثمَّ كتب بعد ذلك (دهلي، الفردوس الإسلاميّ المفقود) وهاتان حلقتان من الأهميَّة بمكان أن يرجع إليهما كلُّ واحد منَّا، وأن يقرأهما، وفي بعض ما كتب الشَّيخ الطَّنطاوي شيء محزن للغاية، ولكن من الضَّروريّ أن نقرأه وأن نقف عليه، قال وهو يتحدَّث عن آخر إمبراطور مسلم في الهند وهو بهادر شاه، تحدَّث عن جهوده في مكافحة الاحتلال الإنجليزي، ثمَّ قال:
«...ثم قبضوا على الإمبراطور فحبسوه، وعلى أمرائه وولاته، وعلَّقوا لهم المشانق في الطُّرق والسَّاحات، أمَّا الإمبراطور فتُرك بلا طعام وهو صابر، حتَّى إذا عضَّه الجوع طلب ما يأكل.. أمسكوا يا أيُّها القرَّاء بقلوبكم، فإنَّ ما سأعرضه عليكم من تاريخ الإنجليز المحضَّرين وما صنعوا مع الإمبراطور المسلم يصدع قلوب البشر ولو كانت من جلمد الصَّخر.. أمَّا الإمبراطور فتُرك بلا طعام وهو صابر، حتَّى إذا عضَّه الجوع طلب ما يأكل، وهنا جاؤوه بصحن كبير مغطّى، فلمَّا كشفه وجد رؤوس أبنائه الثَّلاثة قد قُطعت وهي تقطر دمًا، وجاؤوه بها فورًا عندما طلب الطَّعام لتُقدَّم إليه حارَّة، هذا الذي صنع الإنجليز المتحضِّرون، ثم شكَّلوا خمس محاكم لمحاكمة من بقي من زعماء المسلمين والقضاء عليهم، محاكم سبقت في وحشيتها محاكم التَّفتيش في إسبانيا...».
لنا في الهند تاريخ عريق، وللهند جهود عظيمة في خدمة العلم الإسلاميّ، واقرؤوا إن شئتم، بل يجب أن تقرؤوا، الكتاب الرَّائع (الثَّقافة الإسلاميَّة في الهند) والكتاب المهمَّ الجليل (الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام) كلاهما للعلَّامة المؤرِّخ الكبير الثِّقة عبدالحيّ الحسنيّ، وهو والد الشَّيخ أبي الحسن النَّدويّ، واقرؤوا الكتاب الكنز (الإجازات الهنديَّة وتراجم أصحابها) للأخ الكريم الباحث الجليل عمر بن محمَّد سراج حبيب الله، وهو كتاب مهم جدًّا ادَّخره الله تعالى له.
3- وقفات مع نُسخ الكتاب:
كتابنا اليوم (بسط اليدين لإكرام الأبوين) ثمرة من ثمار العلم والدِّين في تلك البلاد العامرة بالعلم والدِّين، وكنت وقفت على مخطوطته مصوَّرة من جامعة Harvard، ويؤخذ من هذه القائمة أن البخاريّ أوَّل من أفرد هذا الموضوع بالتَّأليف.وقفت على نسخته مصوَّرة في مركز جمعة الماجد للثَّقافة والتُّراث بدبيّ، وصوَّرته، ونسخته، وهيَّأته للنَّشر، ثم شُغلتُ عنه، وانصرفت إلى أعمال أخرى، ثم ظهر مطبوعًا بتحقيق الأخ الشَّيخ المحقِّق المتقن البحَّاثة فضيلة الأخ السَّيِّد عبدالله بن قاري محمَّد سعيد الحسينيّ البحرينيّ، وذلك سنة (1435)، وقد اعتمد على النُّسخة المذكورة، وقدَّم لعمله المبارك بمقدِّمة نافعة، ذكر فيها جهود الأئمَّة المحدِّثين في تتبُّع النُّصوص المتَّصلة ببرِّ الوالدين، وقسَّمها إلى ثلاثة أقسام:
1. مصنَّفات مفردة في برِّ الوالدين. ويؤخذ من هذه القائمة أن البخاريّ أوَّل من أفرد هذا الموضوع بالتَّأليف.
2. مصنَّفات عامَّة في أنواع البرِّ والصِّلة، ومنها كتاب ابن الجوزي (البرُّ والصِّلة) الذي استخرج منه كتابه (برُّ الوالدين).
3. أبواب مفردة في برِّ الوالدين، ضمن المصنَّفات من كتب السُّنَّة.
أقول: وحبَّذا لو أضاف الأخ الكريم الأبواب المفردة في كتب الأدب عن برِّ الوالدين وصلة الأرحام، فإنَّها أبواب ثريَّة جدًّا، ومنها (ربيع الأبرار) للزَّمخشريّ، وما شاكله من هذه الكتب.
يتبع


بر الوالدين. تراث الهند


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


أثرتم فينا الشجون والحنين


في تاريخنا المشرق نوادر وخزائن يندر من يطلع عليها. فالمسلمون شغلوا مساحات واسعة من الكرة الارضية. فجزى الله الانيس خيرا على نشر هذه الذخائر النفيسة وبارك فيه.