مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


دوافع المغالطات، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


29/09/2022 القراءات: 886  


دوافع المغالطات

المغالطة هي قياس فاسد، أو استخدام الاستدلال والتفكير غير الصحيح أو الأفعال الخاطئة في التعليل وبناء الحجة.
والمغالطة باعتبار دوافعها قسمان:
أولاً: المغالطة عن هوى:
ويكون صاحبه مدركاً للحق جاحداً له، كما فعل الزمخشري حين زعم أن (لن) تفيد التأبيد، فقال في (الكشاف): "فإن قلت: ما معنى «لن» قلت: تأكيد النفي الذي تعطيه لا، وذلك أن «لا» تنفي المستقبل، تقول:لا أفعل غداً، فإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غداً..".
فقوله: «لن تأكيد النفي» باطل؛ لأنّٙ في هذا نفياً مؤكداً لرؤية الله تعالى، أما قوله تعالى: «لن تراني»: إنما هي مخصوصة بدار الدنيا، وليس كما يرى الزمخشري نفي الرؤية في المستقبل على التأبيد، أما الرؤية في الآخرة فهي ممكنة بدليل الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم من أهل السنة والجماعة.
وأوضح دليل في الرد على الزمخشري قول الله تعالى: ﴿وُجُوْهٌ يٙوْمٙئِذٍ نٙاضِرٙةٌ إلٙى رٙبِّها نٙاظٙرٙة﴾ [القيامة..23-22].
قال الزبيدي عن قول الزمخشري: دسيسة الاعتزال حملته على ذلك، لأن المعتزلة ينفون رؤية الله تعالى مطلقاً.
وقد ذكر ابن هشام الأنصاري في (قطر الندى) :
"«لن» حرف يفيد النفي والاستقبال بالاتفاق، ولا يقتضي تأبيداً خلافاً للزمخشري في «أنموذجه» ولا تأكيداً خلافاً له في «كشافه» بل قولك: «لن أقوم» محتمل بذلك أنك لا تقوم أبداً، وأنك لا تقوم في بعض أزمنة المستقبل، وهو موافق لقولك: لا أقوم في عدم إفادة التأكيد".
ولو كانت لن للتأبيد لم يقيد نفيها باليوم في قوله تعالى حكاية عن مريم: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم:26]، فنفت الكلام مقيداً بيومها، ولو كان النفي مؤبداً لما صح تقييده بزمن.
وأشار ابن مالك، رحمه الله تعالى، لهذا المعنى في ألفيته فقال :
ومن رأى النفي بلن مؤبدا *** فقولَه ارْدُدْ وسِواه فاعْضُدا
وقال أهل اللغة:
(لا) لاستدامة النّفي
و(لن) لنفي ما قَرُب
وقال ابنُ خطيب الزِمِلْكاني:
"وسرُّ ذلك: أن الألفاظ تُشاكِل المعاني
- ف(لا) آخرُها ألِفٌ، والأَلَفُ يمكنُ مدُّ الصوت بها، فيناسب الاستدامة
- أما(لن) فالنون لا يبلغ طوله (لا) فطابق كلُّ لفظٍ معناه.
ثانياً: المغالطة عن جهل:
ويكون صاحبه معتقداً صواب ما يقول، من دون دليل مقنع، ومن الأمثلة الشهيرة على الاحتجاج بالجهل قول جحا: إن عدد نجوم السماء هو 51699 نجمًا، فلما كذّبه صاحبه، قال له: قم فعدّها لتثبت كذبي..!
وقد يجتمعان الهوى والجهل معاً، كما يفسر القرآن الكريم بالرأي المذموم، حيث فسر بعضهم الكوثر بأنه فاطمة الزهراء رضي الله عنها، رغم أن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فسر الكوثر حين سَألَ أصحابَه: (أَتَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ؟ فقالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قالَ: فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ، عليه خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يَومَ القِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ) [رواه مسلم].
وكما فعل حسن حنفي حين قال: "الذهب والفضة قيمتان دنيويتان مع أنهما محرمان شرعاً لأنهما يرمزان إلى نعومة النساء وليس إلى خشونة الرجال..". [من النقل إلى العقل- علوم الحديث: 394].
علماً أن الفضة غير محرّم على الرجال، فقد اختلط عليه الأمر أن النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خرجَ وفي إحدَى يدَيهِ ثَوبٌ مِن حريرٍ وفي الأُخرَى ذَهَبٌ فقالَ: (إنَّ هَذينِ مُحرَّمٌ علَى ذُكورِ أمَّتي حِلٌّ لإناثِهِم) [رواه ابن ماجه].
مثال آخر: روى البخاري – رحمه الله تعالى- في صحيحه من حديث عون بن أبي جُحَيفةَ عن أبيه قال: ". . . فرأيت بلالاً جاء بعَنَزَة فركزها، ثمّ أقام الصلاة، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج في حُلة مشمراً، فصلى ركعتين إلى عَنَزَة، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يديه من وراء العَنَزةَ". [رواه البخاري].
يقول حسن حنفي ساخراً: "فبلال يرى أن مرور العنزة بين يدي الرسول – صلى الله عليه وسلم – أثناء الصلاة لا يجوز مستعملاً بعض العنف بركزها. وصلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – والحيوانات تسير أمامها بقيادة العنزة". [من النقل إلى العقل، - علوم الحديث:449].
وهكذا المغالطة عن هوى وجهل معاً جعلت حسن حنفي لا يفرق بين العنَزَة: الرمح التي في نهايته قطعة معدنية، وكانت تُوضع أمام النبي – صلى الله عليه وسلم – كي يستتر بها في الصلاة، وبين العنزة الحيوان المعروف، نعوذ بالله تعالى من مضلات الفتن والهوى والجهل.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا بمعرفة العلم، وحسن أخلاقنا بالحلم يا أرحم الراحمين يارب.


دوافع ، المغالطات، قياس فاسد، الاستدلال، التعليل، بناء الحجة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


بارك الله فيك دكتور