مدونة مريم فيلالي


الجبر ذريعة (الساسة/ المتنصلين من المسؤولية)

مريم فيلالي | meriem filali


19/07/2022 القراءات: 501  


** فابن قتيبة يحكي أن معبداً الجهني (المتوفى سنة 80هـ) أتى الحسن البصري (المتوفى سنة 110هـ)، وقال له : يا أبا يسار، هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين، ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قدر الله، وهو يعنى خلفاء بني أمية الذين وطدوا سلطانهم على حد السيف.


***ولذلك اقتضى الموقف الأخلاقي الإيجابي إثبات المسؤولية الإنسانية ونفي الجبر الذي يعطل هذه المسؤولية، وكان القول بالحرية الإنسانية مما تقتضيه الضرورة الأخلاقية يومئذ.

وهذا ما ينسجم مع مضمون الآىة القرآنية : { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء. كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون. قل فلله الحجة البالغة. فلو شاء لهداكم أجمعين }.
فهذه الآية تشير إلى الفرق بين مشيئة الإنسان التي يمارسها على صعيد الواقع في فعل أمر أو تركه، بحسب إرادته الشخصية الحرة، وبين المشيئة الإلهية المحيطة بالكون، التي تعنى مشيئة التكوين للإنسان على صورة معينة ولغاية محددة، والتي لا سبيل إلى إدراك خفاياها.


****وهذه المشيئة التكوينية المتعلقة بنظام الكون والتكوين وربطه بالأسباب والمسببات، هي التي بمقتضاها يتصرف الإنسان في وجهة معينة، ولا ينصرف إلى غيرها، وهي التي بمقتضاها لو شاء الله لهدى الجميع، بحيث لو شاء لخلقهم على نمط واحد لا تفاوت فيه، وفق منظومة واحدة الأسباب، ولكانوا حينئذ مجبرين منذ خلقهم، دون تمكينهم من اختيار أي فعل أو تركه، بما في ذلك الإيمان والكفر. بل ولا تكون الهداية لهم إلا انفعالاً آلياً صادراً عنهم، دون أن يستحقوا عليه لا ثواباً ولا عقاباً، ولما قامت الحاجة إلى هداية الإنسان بالرسالات السماوية، والكتب المنزلة. ولكن الأمر غير ذلك، فلله الحجة البالغة في تحميل المسؤولية وإقامة الجزاء عليها، ولذلك خلقهم بحيث يختارون بإرادتهم وحريتهم ما يستوجب الثواب والعقاب. على أن الله خلق في الإنسان أفعالاً آلية، راجعة إلى طبيعته البيولوجية، كالإبصار والسمع والنطق، لأنها متولدة من طبيعة ما بثه فيه من قدرات منضبطة، بسنن لا تختلف، وهي من فعل الحواس المعقدة كل التعقيد، في أداء وظائفها، وليست محلاً لحرية الإنسان أو اختياره، بحيث يتدخل في تعطيلها إن شاء، إلا إن استعمل لذلك الأسباب التي تعطلها.


الجبر- بني أمية- المسؤولية- المشيئة التكوينية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع