مدونة محمد سلامة الغنيمي


التربوي القائد والتربوي الإداري

محمد سلامة الغنيمي | Mohamed Salama Al-Ghonaimi


22/04/2022 القراءات: 828  


القيادة التربوية
إن القيادة، والعمل الجماعي قديمان قدم الاجتماع الإنساني، ومتغيران بتغيره، فكلما تغيرت المجتمعات واتسعت رفعتها، تطورت تبعاً لذلك المؤسسات التي تخدم تلك المجتمعات، ومن ذلك ظهور الإدارة من حيث فعالية أساسية في تحقيق الأهداف والمهام، وتعتبر القيادة إحدى وظائف الإدارة الفعالة، وأحد عناصرها، بل أهمها، لارتباطها بجوانب تطوير السلوك الإداري المحفز للأخرين وترقيته .
ولا شك أن تطوير المؤسسات وتقدمها -لاسيما مع تعقد المجتمعات واتساع رفعتها- يتطلب قيادة حضارية، تستوعب التغيرات الكبيرة والسريعة سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية، بما يتفق وثوابتها، ووجود هذا النوع من القيادة من أهم مطالب المؤسسات التربوية ومهامها، إذ أن القائد الحضاري؛ هو الذي يدرك الحاجة المستمرة للتطوير، وما يترتب عليه من تغيير مستمر في كافة جوانب عمل ومهام المؤسسة التربوية، في الوقت الذي ينبغي فيه أن يقنع أعضاء المؤسسة بالتغير وأن يحافظ على قيم المؤسسة وثوابتها.
وإذا كان الانفتاح على الثقافات الأخرى واستيعاب التطورات والتغييرات المتلاحقة أحد أهم سمات القائد التربوي، فإن ذلك لا يعني تجاهل ثقافة مجتمعة وايديولوجيته الإسلامية، حيث أن المجتمع الإسلامي يسير وفق منظومة قيم سماوية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ومما لا شك فيه أن أي تغيير في القيم أو الثوابت يؤدي إلي تغيير في التربية، وهذا يجعل من الانفتاح على الثقافات الوافدة في إطار الثوابت المجتمعية والدينية؛ أهم المحكات التي تبرز كفاءة القائد التربوي الحضاري، لأن التركيز فقط على المفاهيم والنظريات الوافدة دون النظر إلى ملاءمتها للمجتمع؛ قد يؤدي إلى الرفض القاطع لها، ومن ثم عرقلة عملية التطوير، كما أن الانفتاح على الاخر بدون وعي بالذات يؤدي الي الاستلاب ومسخ القدرة على الإبداع، وهذا هو سبب تأخر المسلمين وتخلفهم عن ركب الحضارة، حيث يوجد نمطين من القيادة؛ أحدهما منغلق تماماً ومقاوم للتغير يبكي أطلال ماضيه، بينما الأخر مهزوم نفسياً يتفلت من ثوابته ويكانها قيود تكبح تطوره، وفي الوقت ذاته يلهث خلف الأخر ويتعلق في أذياله يتلقف ما يسقط منه، وكلاهما أسير، الأول أسير الماضي والأخر اسير الحاضر.
أما القائد التربوي الحضاري هو ذاك الذي يعرف ذاته، وأفكاره، ومصدرها، ويتفهم حاضره، ويتعامل معه من غير حاجة الي الابتعاد عن ثقافته، وعن المكونات الأساسية لشخصيته وتفكيره .
المتأمل في واقع البحوث العلمية ذات العلاقة بالإرادة على وجه العموم والقيادة التربوية على وجه الخصوص، يجد تردداً عند المختصين في هذه المجالات؛ حول تقديم نموذج الإداري والقيادي العالمي الذي تبرز فيه شخصية القيادة التربوية الإسلامية التي تستوعب تطورات العصر، وتتمثلها في إطار قيمها الإدارية والقيادية النابعة من منهج الإسلام الشامل .
ولقد أشار عبدالله التركي في مقدمته لمشروع التأصيل الإسلامي إلى أهمية الاتصال بالشعوب والحضارات الأخرى، وأهمية بناء منظومة من المفاهيم الواضحة، والمتماسكة والمتكاملة؛ لأن العلوم الاجتماعية والإنسانية كلما اقتربت من ضياء الكتاب والسنة، اهتدت، واستقامت ونأت عن الزيغ والالتباس، ويستشهد (التركي) بأمثلة من المفكرين المسلمين الذين استفادوا من علوم غيرهم من الأمم خصوصاً في مجالي السياسة، والإدارة، مثل: الماوردي، وأبي يعلى، وابن تيمية، إذ ظهرت مؤلفاتهم، وهي مدعومة بهدي الإسلام، وقائمة على أصوله، ومتوخية مقاصده .
انطلاقاً مما سبق نتطرق الي مفهوم القائد التربوي الحضاري والسمات التي ينبغي توافرها فيه.

مفهوم القائد التربوي الحضاري:
هو الشخص الذي ينطلق في قيادته التعليمية، والتربوية من الأصول والثوابت الإسلامية، ويستفيد مما تقدمه تقنية الإدارة، والقيادة التربوية الحديثة من استراجيات، وجوانب تطوير، لا تتعارض مع أسس الإسلام الخالدة ومبادئه التي تشجع التغيير والتطوير المستمر والهادف، ويتسم بالوعي بالتحويلات والتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، ويعي انعكاساتها على العمل التربوي .
وهناك فرق بين الإداري والقائد التربوي الحضاري، فالإداري هو شخص يعمل براتب، ويعمل وفق مجموعة من الإجراءات والقوانين الجامدة، ويعتمد على سيطرته الوظيفية، يصل المدير إلى منصبة وفق نظام للترقية يعتمد على الأقدمية.
أما القائد فهو الشخص الذي يري المؤسسة ككل، ويعمل على تطويرها، يضع وينفذ القرارات، يفوض السلطة، يكتسب الولاء، يبني الوفاق، يبدي سلوكاً مثالياً وقدرة على التأثير (وليس الإكراه)، يبدي رعاية للمجموعة وعناية بها، يبدي حساً بالمسئولية، واضح في تفكيره، هادئ في نقاشة، ماهر في إقناعه، قوي في حمل الواجبات، غير متحيز يبلور التوقعات، متواضع وبسيط، يستمع للأخرين، ويضع آراء الأخرين بصدق موضع الاعتبار .
وتبعاً لذلك يصير المدرسون قادة لطلابهم، يأخذون بنواصيهم ويقودونهم اجتماعياً وتنظيمياً واخلاقياً وعلمياً، وبقدر امتلاك المعلمين لمهارات القيادة، واتسامهم بسماتها بقدر تأثيرهم في طلابهم في جميع النواحي السابقة.
فالعلاقة بين المعلم وطلابه ليست علاقة ديناميكية مجوفة من الحيوية والإنسانية، حيث أن المعلم أب روحي لطلابه، يستلهمون منه قيمهم ويأخذون عنه مبادئهم ويستقون منه توجهاتهم، يرون ما يراه، ويحبون ما يحبه، ويبغضون ما يبغضه، حتى العادات والتقاليد يشارك المعلم الأسرة في إكسابها لطلابه.
ومن هذا السياق تبدوا أهمية تربية المعلمين في معاهد وكليات التربية على القيادة الحضارية، واكتشاف الموهوبين الذين من المعلمين الذين يصلحون لتولي مناصب إدارية.


قيادة، تربية، حضارة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع