مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


انظروا عمّن تأخذون دينكم (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


01/10/2022 القراءات: 902  


انظروا عمّن تأخذون دينكم (1)

في ظلِّ انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة، ومع سهولة طلَب المعلومة من خلال الإنترنت، انتشرَت كثير من الدُّروس والشروحات للعلماء والدُّعاة الصادقين، وانتشر معها أيضاً أفكار غريبة، وأحكام عجيبة، وفتاوى مضللة، مع جودة في الأسلوب وحسَن الكلامِ المنمق.
إن من المصيبة اليوم أنَّ باب الدّعوة صار بابًا واسعًا، كلٌّ يدخل منه، ويتسمَّى بالدَّاعي، وقد يكون جاهلاً لا يُحسِنُ الدَّعوة، فيفسد أكثر ممَّا يصلح، وقد يكون متحمِّسًا يأخذ الأمور بالعجلة والطَّيش، فيتولَّدُ عن فعله من الشُّرور أكثر ممّا عالج وما قصد إصلاحه، بل ربّما يكون ممّن ينتسبون للدّعوة، ولهم أغراض وأهواء يدعون إليها ويريدون تحقيقها على حساب الدّعوة وتشويش أفكار الشباب المسلم.
لقد كثر المنتسبون إلى الدَّعوة هذه الأيام، مما يتطلَّب معرفة أهل العلم المعتبرين، الذين يؤخذ منهم ويقومون بتوجيه الأمَّة وشبابها إلى منهج الحقِّ والصَّواب.
علاوة على أنّنا اليوم نعيش واقعاً كثرت فيه الهزائم النفسية في مجال الفقه والفكر والتفسير؛ فصار كثير من المتفيهقين يأتون بأقوال شاذّة؛ ليس لقوّة دليل أو حجّة استدلال؛ بل لاتّساقها مع تركيبته النفسية المهزومة.
اعلموا أولاً أن هذا العلم نسب وإسناد، والعلم بلا نسب لقيط، يقول عبد الله بن المبارك: إن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
ومن هنا أبدع علماء الإسلام علماً يسمى بعلم الرجال (الجرح والتعديل)، هذا العلم يميز لك عمن تأخذ عنه العلم، وعن من لا يؤخذ عنه العلم، وقد اشترطوا للذي يؤخذ عنه العلم شرطين اثنين: (العدالة والضبط).
أما اﻟﻌﺪاﻟﺔ فتعني اﻻﺳﺘﻘﺎﻣﺔ وﺣﺴﻦ السيرة في اﻟﺪﻳﻦ، وتحصل بالمحافظة ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻘﻮى والمروءة، وذﻟﻚ ﺑﺎﺟﺘﻨﺎب اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺴﻴﺌﺔ والمذمومة ﺷﺮﻋﺎً وﻋﺮﻓﺎً.
ثم إن العدالة لوحدها لا تكفي بل لا بد من الضبط، وهو أصل أصيل في الرواية، ومتى تطرق إليه خلل فإنه يؤدي إلى عدم الاحتجاج به، والضبط هو الذي يوجب أن يكون الراوي يقظاً واعياً لما يسمع ويكتب، وأن يؤدي مروياته بالدقة والحذر.
لقد حصل قديماً إبّان قيام كثير من دهماء الناس بإثارة المشاكل في عصر خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فحين حصلت فتنة قتل عثمان؛ وظهرت البدع؛ اهتمّ العلماء كثيراً بالبحث والتنقيب عن صحّة كل حديثٍ، يشرح ذلك الإمام محمد بن سيرين فيقول: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنْظَرُ إلى أهل السنة فيُؤْخذ حديثُهم، ويُنْظَر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم". [رواه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه].
ثم أخذ التابعون في المطالبة بالإسناد حين فشا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أبو العالية رُفَيْع بن مِهْران الرّياحي البصري:" كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرضى حتى نركب إلى المدينة فنسمعها من أفواههم". [الكفاية في معرفة أصول علم الرواية، للخطيب البغدادي، تحقيق: إبراهيم آل بَحْبَح الدمياطي، الطبعة الأولى، القاهرة، دار الهدى، 1423هـ 2003م:2/469].
ونتيجة لهذا التأكيد على المطالبة بالإسناد، وما حظي به من اهتمام بالغ وعناية فائقة، نجد أن كتب الحديث التي دُونت منذ النصف الأول من القرن الثاني الهجري قد التزمت به، وأطلق عليها اسم المسانيد "جمع مسند"، وهو اسم ذو علاقة واضحة بقضية الإسناد، ومن أشهر هذه المسانيد، مسند معمر بن راشد (152هـ)، ومسند الطيالسي (204هـ)، ومسند الحميدي (219هـ)، ومسند أحمد بن حنبل (241هـ)، ومسند الشافعي (204هـ)، وغيرها من كتب المسانيد.
(يتبع) =


دينكم، الحق، نسب وإسناد، العدالة، الضبط، الهزائم النفسية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع