مدونة مريم فيلالي


الذات السلبية (المنتقصة، الجالدة ... للذات)

مريم فيلالي | meriem filali


09/01/2021 القراءات: 1456  



*أن يكون الإنسان لوما لنفسه فيعاتب نفسه وثت الخطأ ويستشعر بالذنب وقت يفعله تلك النفس اللوامة وقد ذكرتها سابقا كما وردت في القرآن الكريم، لكن ما يختلف في هذا المقال أن الذات حينما تتحول من لوم الذات وتأنيب الضمير إلى الدخول في مرحلة جلد الذات وهو تكرار الشعور بالذنب -الاستشعار بالذنب يفيد للإنتقال لمرحلة عدم الوقوع به مجددا حتى تكون التوبة نصوحا أما حين يعلق الإنسان في مرحلة الاستشعار بالذنب أو لوم الذات على اتخاذ بعض القرارات وحتى لوم الذات على حسن النية مع خليقة تتسم بالمكر والكيد فهاته الأمور خارج نطاق الفرد وليس للمرء تغيير قلوب الخلق ولا معرفة نواياهم فلوم الذات في هاته المرحلة عبث وتضييع للطاقة النفسية- *رثاء الذات، إن الاحساس بالنقص، والاحساس بالذنب بدلالتيهما المرضيتين، يظلان أبرز أشكال (التقدير السلبي للذات). ولعل (الرثاء للذات) بعامة، يظل هو المظهر المحدد لأية نظرة سلبية ينسجها الفرد حول ذاته: سواء أكان الرثاء للذات، أو الاشفاق عليها، مرتبطة بأحاسيس النقص، أو أحاسيس الذنب، أم كان مرتبطاً بسواه من أشكال النظرة السلبية لـ(ذاتها)، وتحديد ما هو (مرضي) منه، وما هو (صحي) منه. التصورات الأرضية، تمتلك إدراكاً أحادي الجانب في نظرة الفرد عن نفسه: من حيث رثاؤه لذاته. وهذا التقويم السلبي للذات، يظل حاملاً طابعه المرضي. *أما التصور الإسلامي، فإنه يمتلك تفسيراً ثنائياً لهذه الظاهرة. التفسير الأول هو: اكساب التقدير السلبي للذات طابع (المرض)، في حالة كونه تقديراً قائماً على جملة من السمات العصابية من نحو: الشك والتردد والاستسلام والتبعية والجبن والتهويل وما إليهما من أنماط السلوك الذي طالما نبهت النصوص الإسلامية إلى طابعه المرضي. وقد مرت بنا جملة من التصنيفات الإسلامية للعصاب، فيما كانت تنسب مفردات السلوك التي أشرنا إليها، إلى المرض، فيما لا حاجة إلى اعادة الكلام فيها. والتصورات الأرضية تلتقي مع وجهة النظر الإسلامية في هذا النمط من النظرة السلبية التي ينسجها الفرد حول ذاته. بيد أن نمطاً آخر من التقويم السلبي للذات، هو الذي ينفرد التصور الإسلامي به، ويكسبه طابعاً صحياً، فيما تظل الأرض غائبة عنه تماماً.هذا التصور، يرى إلى أن نظرتنا لـ(ذواتنا) ينبغي أن تكون (سلبية)، راثية للذات، مشفقة عليها، متحسسة بقصورها ...، ولكن: ليس من حيث العمل الوظيفي للذات، بل من حيث تفاعلها مع السماء، ومع الآخرين، في ميدان المهمة الملقاة عليها. - إن الإحساس بالذل والحطة إذا أخذناه بدلالته الأرضية، أو بدلالته المرضية التي يقرها المشرع الإسلامي من حيث صلته بالجهاز النفسي للشخصية... هذا النمط من الاحساس يظل ذا طابع عصابي كما هو واضح. فأنت حينما تتحسس ذاتك وكأنك عديم الكفاءة حيال انجاز عمل ما، أو حيال التعامل مع الآخرين، ... حينئذ يكون تقديرك السلبي لذاتك، تقديراً مرضياً. ولنضرب مثالاً على ذلك: لنفترض انك كلفت بهمة التدريس، أو الالتحاق بدائرة رسمية، أو القيام بمهمة سياسية... حينئذ، سيكون تقديرك السلبي لـ(ذاتك) مرضياً حينما تتحسس بعدم الجدارة أو الكفاءة بانجاز ما أؤكل إليك: من نحو أن يصيبك الخجل أو الخوف من عملية التدريس، ... ومن نحو أن تقدم رجلاً وتؤخراً أخرى في الالتحاق بالدائرة الرسمية، خوفاً من الاخفاق في التعامل مع الآخرين ...، ومن نحو أن يصيبك التلعثم، أو اصفرار اللون أو حمرته، أو الاضطراب بعامة، عندما تجلس على مائدة التفاوض مع الآخرين... فالخجل، أو الخوف، وما يصاحبهما من الاضطراب اللفظي والحركي، ناجم ـ كما هو واضح ـ من النظرة السلبية التي نسجتها حول (ذاتك)، وهي نظرة مريضة قائمة على احساسك بعدم الكفاءة، ... على احساسك بالدونية والحطة والضعف والتبعية والذل. هذا النمط من الاحساس المريض، يظل متميزاً عن نمط آخر من الاحساس السلبي حيال (الذات) حينما تتحرك من صعيد آخر هو: التعامل مع السماء، بل حتى التعامل مع الآخرين، فينسج نظرة سلبية عن ذاته، نظرة (الحطة) و(الذل). إن الحطة أو الذل في سياقهما العبادي، يظل سمة (صحية) وليس (مرضية) عندما يتحسس المرء بهما حيال (واجبه) الذي رسمته السماء على هذه الأرض. *والفارق بين الاحساسين: الصحي والمرضي، يتحدد بوضوح عندما نخضعهما لمعيار نفسي (يقره علم النفس الأرضي بدوره) ألا وهو مبدأ (تقبل الواقع). هذا المبدأ، طالما تشير إليه توصيات الأرض في حقل الصحة النفسية، فيما تطالب التوصيات بأن يتقبل الفرد ذاته بقدر حجمها، لا أن يبالغ في خلع التقدير عليها أكثر مما هي عليه. وحين ننقل هذا المبدأ الأرضي (وهو مبدأ صائب) إلى حقل التعامل مع (الله)، أو مع الآخرين: من خلال (المهمة العبادية) التي أوكلتها السماء إلينا... حينئذ ندرك دلالة ما أشار الإمام (ع)، من الاحساس بالحطة والذل، فيما يجسدان مبدأ (تقبل الواقع)، أو مبدأ (التقدير الحقيقي للذات). إن مبدأ (تقبل الواقع) و(التقدير الحقيقي للذات)، يفرضان على الشخصية أن تنسج نظرة راثية، مشفقة على (ذاتها)، ... نظرة (الذل) و(الحطة) لحجم (الذات) قبال مبدع الكون، ... قبال (المهمة) التي تخوفت الكائنات الأخرى من تحمل نتائجها، بينما تحملها الكائن الآدمي: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً). فهذه الآية تحسم الموقف بوضوح، حينما تربط بين أداء (الأمانة) أو (الخلافة) أو (المهمة العبادية)، وبين قصور الإنسان في الاضطلاع بمهمته. وواضح، إن (الذات الإنسانية) ضئيلة الحجم، ذليلة، منحطة: قبال (الله).


تأنيب الضمير، لوم الذات، رثاء الذات بين (الصحية والمرضية)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع