مدونة أد سعدون أحمد علي جعفر


الأطلس اللغوي وأثره في تأثيل التنوُّع اللساني

أد سعدون أحمد علي جعفر | Dr Saadoon Ahmed Ali


03/10/2023 القراءات: 963  


الأطلس اللغويّ: هو وسيلةٌ حديثة لدراسة التوزيعِ اللغويِّ الجغرافيِّ وتسجيلِ الظواهرِ اللغويةِ على خرائطَ جغرافيةٍ حديثةٍ تُظهر ما ذكره القدماء والمحدثون من اختلاف اللهجاتِ في مكان محددٍ، ومعرفةِ ما بينها من الفروق اللغوية والدلالية.
وقد بذل عُلَمَاء العربية القدماء جهدًا كبيرًا في دراسة اللغة واقتربوا كثيرا من طبيعة عمل الجغرافية اللغوية في تحديد البيئة الفصيحة بحسب معياري البعد والقرب من الحاضرة أو مناطق البراري على أسس الجغرافية ومبادئها التي ثبتت بالبحث الميداني؛ إذ وقفوا عند تلك الأسس بعينها في بداية الدرس اللغوي الذي تمثل بجمع اللغة العربية وتدوينها، وكانت محصلة عملهم هذا قريبة من نتائج عمل الجغرافية اللغوية الحديثة، على أنَّ جمعَ نظائرِ هذه النصوص من كتب التراث العربي كفيلٌ بإعطاء صورةٍ واضحةِ المعالمِ عن خريطة بناءِ الأطلس اللغوي العربي العام؛ إذ إنَّ تسجيل اللغات العربية بلهجاتها المتنوعة على خرائط جغرافية له فوائد كثيرة، لعل من أبرزها:
أ-- يساعد الأطلس اللغوي على دراسة اللهجات العربية لذاتها، دراسة علمية عميقة، لاكتشاف ما فيها من خصائص الصوت والبنية والدلالة والتركيب، فضلا عن معرفة التغييرات المختلفة التي تطرأ عليها من وقت إلى آخر.
ب- يثري الأطلس اللغوي الدراسات البحثية في العربية الفصحى نفسها، إذ يتيح لنا ذلك المسح الجغرافي، كتابة تاريخ هذه اللغة، في عصورها المختلفة ويمدنا بوسائل علمية لمعرفة أقرب اللهجات العربية صلة باللغة الفصحى وأبعدها عنها. فضلا عن أنه يعين على معرفة ما يتصل من اللهجات بالفصحى، وما هو قديم، فنربط بين القديم والحديث، لتقريب الجديد من الفصحى.
ت- ينفع الأطلس اللغويُّ المؤرخين وعلماء النفس والاجتماع العرب والمستشرقين في دراساتهم التاريخية والنفسية والاجتماعية من أجل أن تكتسبَ دراساتُهم مرتبةً عالية من الصحة والصدق والشمول.
ث- يمدُّنا الأطلس اللغوي القائم على المسح الجغرافي الدقيق بالمعلومات اللازمة لمعرفة مدى امتداد اللهجات العربية .
4- للعلوم المشتركة أهمية كبيرة في إغناء الدراسات التطبيقية، تتجلى بوضوح في مناطق التماسّ بينها؛ لأن العلوم يكمل بعضها بعضا، مثل علم اللغة الحاسوبي والرقمي، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة الجغرافي الذي يدرس العلاقة بين الظاهرة اللغوية وأماكن انتشارها، ووضع الحدود بين اللهجات والقبائل التي تتكلم بها، ولاسيما ما رُوي من اللهجات في البوادي المأخوذة عن الأعراب الأقحاح في البوادي.
ثانيا: التوصيات:
1- أوصي طلبة الدراسات العليا في أقسام اللغة العربية إلى دراسة الجغرافية اللغوية العربية على وفق منحيين؛ أحدهما : بناء أطلس لغوي يمثل اللسان العربي الفصيح تستمد مادته من المدونات اللغوية العربية الأولى في عصر الفصاحة. والآخر: أطلس لغوي تستمد مادته من المسح الجغرافي اللغوي بالبحث الميداني اعتمادًا على المنهج الوصفي التحليلي الذي يُعنى بجمع المادة واستقرائها وتصنيفها وتقعيدها إلى جانب تحديد الزمان والمكان ومستوى الأداء، ولعل ما تقوم به لجنة معجم لغات سهل نينوى المشكلة في جامعة الحمدانية في العراق في عام 2022م من مسح واستقصاء وتسجيل ووصف للغات مناطق سهل نينوى خير دليل على أهمية الأطلس اللغوي في تأثيل التنوع اللغوي.
2- أُلفِتُ نظر الباحثين إلى مراجعة كتب الرحلات التي تُعدُّ من أغنى المصادر في تصوير لغات الأقاليم والتغيرات اللغوية التي تصيبها، فضلا عن كونها من أصدق المصادر في إعطاء الصورة الحقيقية عن الحالة اللغوية في البلدان التي تصفها؛ لذا يوصي الباحث بدعم البحث الميداني التطبيقي.
3- تُشكِّلُ دراسةُ اللهجات المحلية أنموذجا لغويا يصلح أن يكون معيارا تقريبيا في المسح اللغوي الجغرافي؛ لذا أدعو إلى القيام بالدراسات الموازنة بين اللهجات واللغة الفصحى من جهة، وبين اللغات الجزرية المختلفة من جهة أخرى؛ لنقف على مصادر الكلمات الأجنبية هنا وهناك. إذ إن معرفة اللغات الجزَرية تعين دارسي اللغة العربية على الكشف عن مراحل التطور في الأدوات، ومعرفة الحروف الأصلية من غيرها، ومعرفة الأدوات المركبة، وتفسير مجموعة من الظواهر اللغوية؛ لدوران هذه اللغات في مجال واحد من مجالات التطورات اللغوية بغض النظر عن بعض التغييرات الصوتية الخاصة بكل لغة على انفراد، نتيجة اختلاف الشعوب التي تتكلم بهذه اللغات، والعوامل المختلفة التي خضعت لها، ولاسيما العامل الجغرافي والتاريخي المتمثل بسلطتي الزمان والمكان. وعملية الموازنة بين هذه اللغات، تظهر وجوه الائتلاف والاختلاف أو الصورة القديمة والصورة المتطورة، ويمكن ترجيح الحل المناسب وفاقًا لما تتمخض عنه نتائج تلك الموازنات.
4- بنا حاجة ماسة إلى إيلاء التراث العربي مزيدا من العناية لاستخراج ما فيه من كنوز تسهم في تقريب العلوم الحديثة إلينا، وتعزز احتفاءنا بلغتنا المنتظمة لأصول ما جدَّ في ميادين العلم وذلك بعمل أطلس شامل للغة العربية في أقدم عصورها يشتمل على لهجاتها وخصائصها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية لا يختلف كثيرا في طبيعته عن المعجم التاريخي للغة العربية، وسيخدم هذا العمل الكبير والمهم لغتنا العربية بتقديم صورة جديدة لحالة العربية في الأقاليم المختلفة، وسيكشف عن مزايا كل لهجة وميدان انتشارها، والتطور التاريخي لها تضييقا أو اتساعا، وتبيين الفروق بين اللهجات العربية القديمة في البلاد المختلفة وأثر البيئة الجغرافية فيها.


الأطلس، الجغرافية اللغوية، التأثيل، التنوع اللغوي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع