مدونة د. نبيل عبد الرحمن ناصر الدين


القانون الدولي الإنساني في الاسلام

د. نبيل عبد الرحمن ناصر الدين | DR. NABIL ABDUALRHMAN NASSERALDIN


13/10/2021 القراءات: 2719  


لقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام وقواعد محددة تنظيم سلوك الدولة والأفراد في زمني السلم والحرب, والحديث عن ذلك يطول لغزارة الأفكار والقواعد التي تزامن ظهورها مع بزوغ فجر الشريعة الإسلامية الغراء, ونكتفى في هذا المقام بذكر بعض ملامح أحكام النزاعات المسلحة في الإسلام على ضوء الكتاب والسنة ووصايا الخلفاء والأمراء التي أسس عليها الفقهاء آرائهم المختلفة. والسلم هو اصل العلاقات البشرية في الإسلام ولذلك يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم قائلاً " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" ( ) وكانت القاعدة قبل المبادأة بالقتال هي الدعوة إلى الاسلام أو الجزية, والحرب هي الخيار الثالث, وحرم القرآن الحرب العدوانية بوضوح إذ قال تعالى " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين "( ) كانت القيم الإسلامية التي جاء بها الإسلام منذ عصوره المبكرة مرتبطة بشكل أساسي بالحد من المعاناة غير الضرورية أو المفرطة, علي سبيل المثال، حث القرآن المنتصر على ضرورة إطعام الأسري" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا "( ). كما أن المعاهدات القانونية الإسلامية الخاصة بقانون الشعوب كانت واعتبارا من القرن التاسع تحظر قتل النساء والأطفال والشيوخ والمكفوفين والمشلولين ومن ذهب عقلهم, وبالمثل، عقد النبي محمد عليه الصلاة والسلام في عهده معاهدة صلح مع أهل مكة عرفت بصلح الحديبية وكانت تنص علي حماية أهل المدينة من غير المحاربين( )، وعندما فتح المسلمون مكة نهى الرسول صل الله عليه وسلم عن قتل الجرحى والأسرى ومطارة الفارين، وأمن من أغلق بابه, بل شمل عفوه أهل مكة عندما قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ولما أمر الرسول (ص) زيد بن حارثة على الجيش الذي أنفذه الى مؤته أوصاه قائلاً: " لا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيراً ولا فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تعقروا نخلاً ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناءً"( ) ومن نافلة القول فقد تضمنت النصوص القرآنية المتعلقة بالحرب العديد من الأحكام الشرعية التي توجب الوفاء بالعهود واحترام المستجير ولو كان مشركاً، مما يجسد النهج الإسلامي في علاقة المسلمين مع غير المسلمين, وهكذا فإن الالتزام بفلسفة القانون الدولي الإنساني هو شعبة في الإسلام من شعب الإيمان, وإذا كانت الفلسفات والأديان الأخرى قد اشتركت مع الاسلام في هذا المبدأ فإنها قد قامت به توجيها ونصيحة, أما الاسلام فقد أرساه التزاماً واقعاً لا شائبة فيه ولا حرجة( ) وتميزت حقبة الفتوحات في العصر الإسلامي بإرساء قواعد ومبادئ الحرب وأعرافها المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، كحماية النساء والشيوخ والأطفال وحسن معاملة الأسرى وحظر قتلهم أو الإساءة إليهم والنهي عن الإجهاز على الجرحى ومنع التمثيل بجثث القتلى, وتتجلى القواعد العسكرية والقيود التي وضعها الإسلام على القتال في حديث الرسول الكريم لجيوشه التي أرسلها للحرب بقوله صلى الله عليه وسلم "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة رسول الله، لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلاً صغيرًا، ولا امرأة، ولا تغلوا وضعوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين"( ). وقد أصدر الخليفة أبو بكر في عام 634 ميلادي إلي جيش العرب المسلمين الذي كان يفتح سوريا التعليمات الآتية: "لا تقدموا على أية خديعة، ولا تحيدوا عن الصراط المستقيم . وإياكم والتمثيل بالجثث أو قتل الأطفال أو الشيوخ من الرجال أو النساء، أو قطع أشجار النخيل أو حرقها أو قطع أية شجرة مثمرة . وإياكم أيضاً وذبح أي من القطعان أو المواشي أو الإبل إلا لتتقوتوا منها, وقد تمرون بقوم آرسوا حياتهم للرهبنة، دعوهم لما آرسوا حياتهم لأجله( ) وحسبنا في هذا المقام قول استاذنا الدكتور محمد طلعت الغنيمي حين قال " فإذا كان القتال حقيقة من حقائق الحياة وشأناً من شئون الدنيا فما أحرى الاسلام – وهو دين ودولة- بأن ينظم أموره ويرتب أحكامه, بل لقد كان الإسلام أول هدي أضاء أمام بشرية بربية هوجاء تجعل من الحرب عديلاً للإبادة وبديلاً للتخريب ولا ترعى في العدو إلا ولا ذمة( ) والحرب في الإسلام تُسن في سبيل الله, والغرض الذي يحارب المسلم من أجله هو غرض عادل ونبيل, والنصر في الإسلام هو انتصار قضية الإسلام, ومثل هذه القضية النبيلة لا ينبغي أن يسمح بتحقيقها بأساليب تفتقر إلى الانسانية, والكرامة, فالإنسانية هي القلب واللب في أي حرب يقدم عليها المسلمون( )
 


القانون الدولي الإنساني ، النزاعات المسلحة، الشريعة الإسلامية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع