مدونة المهندسة / وفاء فاضل عبد الواحد


منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الإسلام/ ج٣ والاخير

المهندسة / وفاء فاضل عبد الواحد | Wafaa Fadhel Abdul Wahid


25/04/2022 القراءات: 1521  


ويؤمنون بفضله وشرفه على جميع الشعوب والأوطان ، لم يخلقوا إلا ليكونوا حكاماً ، ولم تخلق إلا لتكون محكومة لهم . ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها ، ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها ، ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكم أنفسهم! إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً إلى عبادة الله وحده . كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد : الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام (( .
فالأمم عندهم سواء ، والناس عندهم سواء الناس كلهم من آدم ، وآدم من تراب . لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وقد قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص عامل مصر وقد ضرب ابنه مصرياً وافتخر بآبائه قائلاً : خذها من ابن الأكرمين . فاقتص منه عمر : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أحراراً أمهاتهم؟ فلم يبخل هؤلاء بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد ، ولم يراعوا في الحكم والإمارة والفضل نسباً ولوناً ووطناً ، بل كانوا سحابة انتظمت البلاد وعمت العباد ، وغوادي مزنة أثنى عليها السهل والوعر ، وانتفعت بها البلاد والعباد على قدر قبولها وصلاحها .
في ظل هؤلاء وتحت حكمهم استطاعت الأمم والشعوب حتى المضطهدة منها في القديم أن تنال نصيبها من الدين والعلم والتهذيب والحكومة ، وأن تساهم العرب في بناء العالم الجديد ، بل إن كثيراً من أفرادها فاقوا العرب في بعض الفضائل ، وكان منهم أئمة هم تيجان مفارق العرب وسادة المسلمين من الأئمة والفقهاء والمحدثين . .
(( رابعاً : إن الإنسان جسم وروح ، وهو ذو قلب وعقل وعواطف وجوارح ، لا يسعد ولا يفلح ولا يرقى رقياً متزناً عادلاً حتى تنمو فيه هذه القوى كلها نمواً متناسباً لائقاً بها ، ويتغذى غذاء صالحاً ، ولا يمكن أن توجد المدنية الصالحة ألبتة إلا إذا ساد وسط ديني خلقي عقلي جسدي يمكن فيه للإنسان بسهولة أن يبلغ كماله الإنساني . وقد أثبتت التجربة أنه لا يكون ذلك إلا إذا مكنت قيادة الحياة وإدارة دفة المدنية بين الذين يؤمنون بالروح والمادة ، ويكونون أمثلة كاملة في الحياة الدينية والخلقية ، وأصحاب عقول سليمة راجحة ، وعلوم صحيحة نافعة )) . .
إلى أن يقول تحت عنوان : (( دور الخلافة الراشدة مثل المدنية الصالحة )) :
(( وكذلك كان ، فلم نعرف دوراً من أدوار التاريخ أكمل وأجمل وأزهر في جميع هذه النواحي من هذا الدور دور الخلافة الراشدة فقد تعاونت فيه قوة الروح والأخلاق والدين والعلم والأدوات المادية في تنشئة الإنسان الكامل . وفي ظهور المدنية الصالحة . . كانت حكومة من أكبر حكومات العالم ، وقوة سياسية مادية تفوق كل قوة في عصرها ، تسود فيها المثل الخلقية العليا ، وتحكم معايير الأخلاق الفاضلة في حياة الناس ونظام الحكم ، وتزدهر فيها الأخلاق والفضيلة مع التجارة والصناعة ، ويساير الرقي الخلقي والروحي اتساع الفتوح واحتفال الحضارة ، فتقل الجنايات ، وتندر الجرائم بالنسبة إلى مساحة المملكة وعدد سكانها ورغم دواعيها وأسبابها ، وتحسن علاقة الفرد بالفرد ، والفرد بالجماعة ، وعلاقة الجماعة بالفرد .
وهو دور كمالي لم يحلم الإنسان بأرقى منه ، ولم يفترض المفترضون أزهى منه . . (( .
هذه بعض ملامح تلك الحقبة السعيدة التي عاشتها البشرية في ظل الدستور الإسلامي الذي تضع )) سورة العصر (( قواعده ، وتحت تلك الراية الإيمانية التي تحملها جماعة الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
فأين منها هذا الضياع الذي تعانيه البشرية اليوم في كل مكان ، والخسار الذي تبوء به في معركة الخير والشر ، والعماء عن ذلك الخير الكبير الذي حملته الأمة العربية للبشر يوم حملت راية الإسلام فكانت لها القيادة . ثم وضعت هذه الراية فإذا هي في ذيل القافلة . وإذا القافلة كلها تعطو إلى الضياع والخسار . وإذا الرايات كلها بعد ذلك للشيطان ليس فيها راية واحدة لله . وإذا هي كلها للباطل ليس فيها راية واحدة للحق . وإذا هي كلها للعماء والضلال ليس فيها راية واحدة للهدى والنور ، وإذا هي كلها للخسار ليس فيها راية واحدة للفلاح! وراية الله ما تزال . وإنها لترتقب اليد التي ترفعها والأمة التي تسير تحتها إلى الخير والهدى والصلاح والفلاح .
ذلك شأن الربح والخسر في هذه الأرض . وهو على عظمته إذا قيس بشأن الآخرة صغير . وهناك . هناك الربح الحق والخسر الحق . هناك في الأمد الطويل ، وفي الحياة الباقية ، وفي عالم الحقيقة . . هناك الربح والخسر : ربح الجنة والرضوان ، أو خسر الجنة والرضوان . هناك حيث يبلغ الإنسان أقصى الكمال المقدر له ، أو يرتكس فتهدر آدميته ، وينتهي إلى أن يكون حجراً في القيمة ودون الحجر في الراحة :
{ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً } وهذه السورة حاسمة في تحديد الطريق . . إنه الخسر . . { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } . . طريق واحد لا يتعدد . طريق الإيمان والعمل الصالح وقيام الجماعة المسلمة ، التي تتواصى بالحق وتتواصى بالصبر . وتقوم متضامنة على حراسة الحق مزودة بزاد الصبر .
إنه طريق واحد . ومن ثم كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة )) والعصر (( ثم يسلم أحدهما على الآخر . . لقد كانا يتعاهدان على هذا الدستور الإلهي ، يتعاهدان على الإيمان والصلاح ، ويتعاهدان على التواصي بالحق والتواصي بالصبر . ويتعاهدان على أنهما حارسان لهذا الدستور . ويتعاهدان على أنهما من هذه الأمة القائمة على هذا الدستور


منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الإسلام .


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع