مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
[فصل في حقيقة التوبة وشروطها]
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
14/05/2023 القراءات: 372
[فصل في حقيقة التوبة وشروطها]
والتوبة هي: الندم على ما مضى من المعاصي والذنوب، والعزم على تركها دائما لله عز وجل لا لأجل نفع الدنيا أو أذى، وأن لا تكون عن إكراه أو إلجاء، بل اختيارا حال التكليف، وقيل: يشترط مع ذلك: اللهم إني تائب إليك من كذا، وكذا، وأستغفر الله، وهو ظاهر ما في المستوعب، فظاهر هذا اعتبار التوبة بالتلفظ والاستغفار، ولعل المراد اعتبار أحدهما ولم أجد من صرح باعتبارهما ولا أعلم له وجها.
وقد روى الترمذي وقال حسن غريب عن أنس مرفوعا «قال الله عز وجل يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» فقوله: ثم استغفرتني غفرت لك علق الغفران على الاستغفار دل على اعتباره، والمراد أنه استغفر من ذنوبه توبة وإلا فالاستغفار بلا توبة لا يوجب الغفران قال ذو النون المصري: وهو توبة الكذابين، ولهذا قال في شرح مسلم: (باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة) يريد ما في مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله عز وجل فيغفر لهم» لكن الاستغفار بلا توبة فيه أجر كغيره من ذكر الله عز وجل والله أعلم وقد قال الله تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء: 110] .
والأولى وهو أنه لا يشترط ذلك هو الذي ذكره في الشرح وقدمه
في الرعاية وذكره ابن عقيل في الإرشاد وزاد: وأن يكون إذا ذكرها انزعج قلبه، وتغيرت صفته ولم يرتح لذكرها ولا ينمق في المجالس صفتها فمن فعل ذلك لم تكن توبة، ألا ترى أن المعتذر إلى المظلوم من ظلمه متى كان ضاحكا مستبشرا مطمئنا عند ذكره الظلم استدل به على عدم الندم، وقلة الفكرة بالجرم السابق، وعدم الاكتراث بخدمة المعتذر إليه ويجعل كالمستهزئ تكرر ذلك منه أم لا، كذا قال وعلى تقدير أن تمكن المنازعة في هذا المعنى إنما يدل على اعتبار ذلك وقت الندم.
والغرض الندم المعتبر وقد وجد فما الدليل على اعتبار تكرره كلما ذكر الذنب؟ وإن عدم ذلك يدل على عدم الندم والأصل عدم اعتباره، وعدم الدليل عليه مع أن ظاهر قوله: - عليه السلام - «الندم توبة» أنه لا يعتبر وهذه الزيادة وهي تجديد الندم إذا ذكره قول أبي بكر بن الباقلاني، والأول قول إمام الحرمين وغيره، مع أن قول الشافعية وغيرهم: أن توبته السابقة لا تبطل بمعاودة الذنب خلافا للمعتزلة في بطلانها بالمعاودة.
وقال ابن عقيل: والدلالة على أن الندم توبة مع شرط العزم أن لا يعود، ورد المظلمة من يده خلافا للمعتزلة في قولهم: الندم مع هذه الشرائط هو التوبة، وليس فيها شرط بل هي بمجموعها توبة لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الندم توبة» وليس لهم أن يقولوا: أجمعنا على احتياجها إلى العزم؛ لأن ذلك شرط ولا يوجب أن يكون هو التوبة كما أن الصلاة من شرطها الطهارة، ولا تصح إلا بها وليست هي الصلاة؛ لأن التوبة هي الندم والإقلاع عن الذنب فمن ادعى الزيادة على ما اقتضته اللغة يحتاج إلى دليل انتهى كلامه. وكلام الأصحاب السابق يدل على أن العزم ركن، والأمر في هذا قريب فإنه معتبر عندهم.
وإن كف حياء من الناس لم تصح، ولا تكتب له حسنة، وخالف بعضهم، وهي التوبة النصوح كما قال الحسن البصري قال: ندم بالقلب
واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإضمار أن لا يعود.
وقال البغوي في تفسيره: قال عمر، وأبي ومعاذ - رضي الله عنهم -: التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع كذا قال والكلام في صحته عنهم، ثم لعل المراد التوبة الكاملة بالنسبة إلى غيرها.
وقال الكلبي: هي أن يستغفر باللسان، ويندم بالقلب، ويمسك بالبدن، فظاهره أنه لا يعتبر إضرار أن لا يعود، ولم أجد من صرح بعدم اعتباره، ولم يذكر ابن الجوزي عن عمر ألا إن التوبة النصوح أن يتوب العبد من الذنب وهو يحدث نفسه أن لا يعود.
وقرأ أبو بكر عن عاصم: نصوحا بضم النون وهو مصدر مثل القعود يقال: نصحت له نصحا ونصاحة، ونصوحا وقيل: أراد توبة نصح لأنفسكم، وقرأ الباقون بفتحها قيل هو مصدر، وقيل: هو اسم فاعل أي: ناصحة على المجاز.
وروى أحمد عن ابن مسعود مرفوعا «التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه» ولعل المراد إن صح الخبر ثم ينوي أن لا يعود فيه.
وقال في الشرح في قبول شهادة القاذف: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «الندم توبة» قيل: التوبة النصوح تجمع أربعة أشياء: الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، وإضمار أن لا يعود، ومجانبة خلطاء السوء، قد تقدم في آخر فصل، ولا تصح التوبة من ذنب مع الإقامة على مثله من كلامه في الرعاية، وذكر في الرعاية في مكان آخر أو غيرها فيه روايتين ولعل من اعتبره يقول: مع عدم المجانبة يختل العزم، أو يقول: المخالطة ذريعة، ووسيلة إلى مواقعة المحظور والذرائع معتبرة، ولأن المسألة تشبه التفرق في قضاء الحج الفاسد ولهذا جعلها ابن عقيل أصلا لعدم الوجوب في قضاء الحج الفاسد والله أعلم.
أما الحديث الأول فرواه ابن ماجه حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي
حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي حدثنا وهيب بن خالد حدثنا معمر عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» كلهم ثقات وعبد الكريم هو الجزري بلا شك وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه.
[فصل في حقيقة التوبة وشروطها]
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع