مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


تخدير حضاري في صورة تعليم للنهوض

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


29/07/2024 القراءات: 191  


الجهود المبذولة لطحن الماء، ومسك الهواء، هو بعينه ما يحدث في مؤسسات تعليم القرآن الكريم وكذلك في الأبحاث العلمية التي تقوم بدراسة القرآن الكريم، وبدون مواءمة ولا مجاملة عمل هذه المؤسسات يعد من قبيل الغش الثقافي، والوهم التعليمي.
كيف وهي تهتم بالقرآن الكريم؟!
دعنا نتفق أن القرآن الكريم هو سر البقاء الحضاري واستدامة الحياة لأمة النبي صلى الله عليه وسلم سواء أمة الدعوة أم أمة الإجابة.
اقتضت حكمة الله تعالى أن يرسل رسولا خاص لكل جماعة معينة من الناس في زمن معين ومكان محدد،"وإن من قرية إلا خلا فيها نذير" وزود هؤلاء الرسل بمعجزة من جنس ما نبغ فيه قومهم ليثبت صدق الرسل.
إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه بعث للعالمين عموما طولا في الزمان إلى قيام الساعة وعرضا في المكان ليشمل الكون كله، فمن الطبيعي أن يزوده الله بمعجزة تتناسب مع طبيعة رسالته، معجزة يكون لها صفة الخلود الإعجازي، وتمتلك القدرة على تجدد العطاء مع تنوع ظروف الزمان والمكان، يستطيع المصلحون والمجددون الاعتماد عليها وكأن هناك نبي مرسل بوحي، وطالما أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم نبغت في المعرفة فكانت معجزته في القرآن ولذلك تحدى الله تعالى البشرية أن يأتوا بسورة منه وحتى يتحقق في القرآن الكريم الخلود الإعجازي المعرفي أوجب الله تعالى على كل فرد مسلم عاقل بالغ تدبر القرآن الكريم لكشف أسراره واستخراج كنوزه
لكن المؤسسات والمدارس القرآنية ضلت طريقها وأضلت الأمة لأنها قصرت الدراسة على الحفظ وآلياته والدوران حول فهم السابقين للقرآن إما بالشرح أو التلخيص أو التعليق، والنتائج للأسف، مازالت توبخهم وتلعن محاصرتهم لخلود عطاء القرآن وخصام مع العلم وانهيار للحضارة لأنهم بذلك عطلوا خلود عطاء القرآن الكريم وتجدده.
فانحصرت مخرجاتهم في احتراف تلاوة القرآن في العزاءات، وعلى المقابر، وعند افتتاح المناسبات أو فتح المؤسسات، على سبيل التبرك التبرك والرقية. فدخلت الأمة في حالة تشبه الموت الإكلينيكي؛ لأن في القرآن حياتها، وعلى الجانب الآخر مخرجات علمية سطحية من الفهم ومجرفة من الوعي يسهل استقطابها من غلاة التهويل (الإرهابيين) أو غلاة التهوين (العلمانيين)
ولا شك أن حفظ القرآن الكريم مستحب على الفرد، وفرض كفاية على الأمة؛ لأن حفظه وسيلة أساسية لغاية كبرى، وهي قراءة القرآن بتدبر لاستخراج كنوزه وكشف أسراره، وهو فرض عين على كل مسلم وفق طاقته العلمية.
وقد لخص النبي صلى الله عليه وسلم حالة التيه التي نعيشها في الفضاء الحضاري لأم لبيد "بذهاب العلم": حيث قراءة القرآن دون الانتفاع مما فيه بشيء، ذكر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم شيئًا ، قال : " وذاك عند أوانِ ذَهابِ العلمِ " ، قالوا : يا رسولَ اللهِ وكيف يَذهبُ العلمُ ، ونحن نقرأُ القرآنَ ، ونُقرِئُه أبناءَنا ، ويُقرِئُه أبناؤنا أبناءَهم ؟ قال : " ثَكِلَتْكَ أُمُّك ابنَ أمِّ لَبيدٍ ، أو ليس هذه اليهودُ والنصارى يقرؤون التوراةَ والإنجيلَ ، لا ينتفِعون منها بشيء ؟ ! "
وكان المنهج الذي ربى النبي أصحابه على التعامل مع القرآن من خلاله يعتمد على الدراسة المتأنية حيث أن الواحد منهم لا يجاوز العشر آيات حتى يتعلم ما فيها ويعمل بمقتضاها. كما كان الواحد منهم يعاود التلاوة بالتدبر على الأقل مرة في الشهر الواحد بجزء في اليوم.
إن هذه المؤسسات تخدر الأمة وهي لا تدري وتضع للأمة السم في العسل دون وعي منها؛ لأنها لا تعلم أن عز الأمة وسؤددها في فهم القرآن، وأن معجزات القرآن تتجدد بتجدد الزمان وعطاءاته مازالت مستمرة خالدة إلى قيام الساعة، لكنها مكنونة بين نصوصه لا تستخرج إلا بالقراءة الواعية.
ومن هنا إذا كنا نريد استدامة الحياة على الأرض فلابد وأن نطور من تعاملنا مع القرآن الكريم وأن نثور على الطرق التقليدية التي قيدت تجدد الوحي وعطلت عطاءه.


تربية، فكر، نهضة، قرآن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع