مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي
التطور البنيوي لفكرة المواطنة العالمية
د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi
09/10/2022 القراءات: 2681
التطور البنيوي لفكرة المواطنة العالمية
تمثل فكرة المواطنة في مفهومها العام تطور حقيقي في منظور فكرة الدولة وجزء من النتائج المترتبة على الاعتراف بالدولة القومية وان يكون لكل دولة سيادتها على اقليمها وسكانها وان يكون لها نظامها السياسي المستقل، وبالتالي الاعتراف بوجود المواطنة وبنتائجها هي صورة من صور تطور الفكر القانوني الإنساني، وهي تعني أيضا ان هناك مواطن يدين بالولاء لدولة بعينها ويشعر للانتماء اليها ويعمل من اجل تحقيق مصالحها، هذه المعطيات المميزة التي تنبع من أساس وجوهر فكرة المواطنة اذا ما اريد ان يتم تطبيقها على المستوى العالمي بفرض وتصور ومشاعر تنسجم مع البعد العالمي وتتخطى البعد الوطني ستترك الكثير من النتائج الإيجابية في مجال الشعور بالهم العالمي والسعي من اجل تحقيق مصالح وغايات ذات طابع عالمي تتخطى الاهتمامات الضيقة والابعاد الوطنية المحدودة.
ان التطور الحقيقي في اطار ترسيخ مفهوم المواطنة العالمية يرتبط بالتطور الكبير الذي حصل في اطار فكرة السيادة الوطنية وإعادة النظر بشكل كامل بالمدلول الويستفالي للسيادة ، فالسيادة المطلقة والدولة السيدة وعدم تقييد السيادة باتت من الأفكار التي لا تتناسب مع واقع القانون الدولي والتنظيم الدولي المعاصر، وان ميثاق الأمم المتحدة قد تشكل على فكرة التوفيق ما بين السيادة الوطنية وتلبية متطلبات الميثاق في حفظ الامن والسلم الدوليين وتحقيق مقاصد الأمم المتحدة وأهدافها، ثم ان الامر اصبح اكثر تغيراً في اطار التطورات المتسارعة في القانون الدولي وبشكل خاص في العقد الأخير من القرن العشرين، وبروز مصطلح العولمة وطرح أفكار حول تدويل السيادة والتعامل مع السيادة الوطنية بمفاهيم تجعلها اكثر انسجاما مع متطلبات تحقيق فاعلية قواعد القانون الدولي، وبالتالي أصبحت الكثير من الدول تدرك هذه الحقيقة وتتعامل مع التزاماتها الدولية تجاه الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة على هذا الأساس، فلم تعد هناك أي حصانات قانونية تحت مسمى السيادة لأي دولة تنتهك احكام الحماية المقررة بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الجنائي والقانون الدولي للبيئة والقانون الدولي الاقتصادي وغيرها.
ونرى أيضا ان المدخل الأول لفكرة المواطنة العالمية يتجسد فيما ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة في الكلمات الافتتاحية التي جاءت فيه بقوله " نحن شعوب الأمم المتحدة"، والواضح ان واضعي الميثاق حاولوا ابراز البعد الحقيقي للشعوب التي تضم المواطنين، في محاولة للفت النظر الى ان الأمم المتحدة تقييم في الاعتبار المدلول الحقيقي للمواطن المكون للشعوب التي تمثلها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبالتالي حاولت ديباجة الميثاق ان تبتعد عن الاطار التقليدي في التعامل مع الدول الأعضاء داخل المنظمة بتوجيه الخطاب الى الشعوب باعتبارها القوة الأكثر وضوحا في التعبير عن واقع الدول الأعضاء وتكشف عن رغباتها وتطلعاتها في نبذ الحرب وتحقيق التنمية وإشاعة قيم التسامح والسلام وحماية الحقوق والحريات. والملاحظ ان النص الوارد في الديباجة استخدم مصطلحات معبرة عن الشعوب مثل استخدام " ان ننقذ" و "ان نبين" ، " ان ندفع" ، و " وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا" ، هذه المصطلحات تكشف عن خطاب يعبر عن شعوب تضم مجموعة من الافراد في ابراز حقيقي لدور خاص للمواطنة العالمية والتي تعبر في صيغتها الحديثة عن ذات المحتوى الحقيقي لخطاب ديباجة ميثاق الأمم المتحدة التي ركزت على تجاوز المفهوم التقليدي للدولة والانتقال الى صاحب السيادة في الدولة وهو الشعب فاختارت مخاطبته بأسلوب جماعي يعبر عن جميع شعوب الأمم المتحدة التي ينبغي لها ان تستعد للمهام والوظائف العالمية للمنظمة الدولية.
كما ورد في الديباجة أيضا الحديث عن حقوق الانسان بصيغة ( شعوب الأمم المتحدة)، حيث نصت على (( إن شعوب الأمم المتحدة قد عقدت العزم على الإعلان عن إيمانها في الحقوق الأساسية للإنسان وفي كرامته وقيمته الإنسانية الآدمية، وفي المساواة بين حقوق الرجل والمرآة )) من بين أهداف ومبادئ الأمم المتحدة يمكن إن تقرأ في الفقرة الثامنة من المادة الأولى: ((بغية تحقيق التعاون الدولي في معالجة المشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، يتعين تنمية وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، بدون تمييز بين الجنس أو النوع أو اللغة أو الدين )). ووردت الفكرة ذاتها في المادة (55) من الميثاق، وطبقا للمادة (56) تعهدت الدول الأعضاء في الميثاق لحماية تلك الحقوق وصيانتها، ووفقا للمادة (13) من الميثاق أجرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة دراسات وقدمت توصيات ومقترحات لتسهيل الحصول على حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ووفقا للمادتين (62 و68) للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة ان ينشئ لجنة خاصة لتشجيع تطبيق هذه الحقوق والحريات العامة واحترامها، فضلا عن المادة (76) الخاصة بنظام الوصاية الدولية والتي تضمنت نفس الفكرة في مجال حماية الحقوق والحريات.
الفرد في القانون الدولي - القانون الدولي العام - المواطنة العالمية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة