مدونة أ. د. محمود أحمد درويش


تدمير الممتلكات الثقافية العربية (العراق نموذجا) (2)

أ. د. محمود أحمد درويش | Mahmoud Ahmed Darwish


21/12/2022 القراءات: 987  



كانت أعمال النهب والتدمير نتيجة مباشرة لانهيار المؤسسات الأمنية العائدة للنظام السابق واستفحال ظاهرة الفساد والجريمة وعدم اتخاذ المؤسسات الثقافية الوطنية لأية خطط حقيقية في مجال منع الكوارث وإدارتها والأكثر أهمية من كل ذلك موقف اللامبالاة الذي اتخذته قيادة قوات التحالف الدولي الغازية، على الرغم من التحذيرات التي وجهها خبراء دوليون وآخرون أمريكيون على وجه التحديد إلى الإدارة الأمريكية قبل اندلاع المعارك بفترة طويلة بشان أهمية توفير الحماية الخاصة للموروث الثقافي العراقي.
ونتج عن الحجم الهائل للأضرار التي أصابت الموروث الثقافي العراقي ردود فعل سريعة ومباشرة على مستوى العالم ككل، وصار من الضروري إعداد إطار قانوني عاجل بغرض استعادة المممتلكات الثقافية المسروقة بالسرعة الممكنة. تلك كانت خلفية إصدار مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة لقراره رقم (1488) في مايو (2003)، الذي ألزم الدول الأعضاء اتخاذ الخطوات المناسبة لتسهيل العودة السالمة للممتلكات الثقافية العراقية وجميع المواد الأخرى ذات الأهمية الأثرية والتاريخية والثقافية والعلمية النادرة والدينية المأخوذة من المؤسسات العراقية، ومنع الانتقال غير القانوني لمثل تلك المواد. ودعا القرار أيضا منظمة اليونسكو ومنظمات دولية أخرى تهتم بالموروث الثقافي إلى المساعدة في تطبيق هذا التخويل الأممي. واتسع هذا الإلزام ليشمل جميع الدول الأعضاء، بغض النظر عن كونها طرفا أو لا في اتفاقية اليونسكو لعام (1970)، التي تحظر الانتقال غير القانوني للممتلكات الثقافية.
كما أكد قرار مجلس الأمن رقم (1546) في 8 يونيو (2004)، على ضرورة احترام جميع الأطراف الممتلكات الأثرية والتاريخية والثقافية والدينية العراقية. ووقعت مهمة تطبيق قرار الأمم المتحدة على عاتق سلطة الائتلاف المؤقتة، التي تألفت أساسا من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، بوصفها حكومة احتلال معترف بها من قبل المنظمة الدولية، استعادة المواد الثقافية المسروقة وحماية والحفاظ على المواقع الأثرية وترميم الممتلكات الثقافية المتضررة وإعادة بناء المؤسسات الثقافية التي عانت من الدمار، بما في ذلك المتاحف والمكتبات. وعلى الرغم من إبداء تعاونها مع خبراء اليونسكو، كانت سلطة الائتلاف المؤقتة بطيئة جدا في جهودها تجاه استعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة أو في حماية المواقع الأثرية الموجودة.
لقد فشلت سلطة الائتلاف المؤقتة في إعداد خطة عمل لحماية ما موجود من موروث ثقافي أو استرداد ما هو مسروق، فأعمال النهب والتخريب لم تتوقف، بالرغم من الضغوط الكبيرة التي مارسها المجتمع الدولي أو المسئولين العراقيين والإعلام الوطني. بل فشلت في منع أفراد إدارتها المدنية أو قوات الاحتلال من سرقة الممتلكات الثقافية العراقية المنتشرة في كل مكان.
قامت اليونسكو بإرسال بعثة من خبراء دوليين لتقييم الأضرار التي خلفتها أعمال النهب والتخريب التي طالت المتاحف والمباني التاريخية والأرشيفات والمكتبات، وإعداد سُبل لإعادة بناء المؤسسات الثقافية الرئيسة، في مقدمتها المتحف العراقي ودار الكتب والوثائق في بغداد. وبعد ذلك مباشرة، قامت اليونسكو بتشكيل لجنة تنسيقية دولية لحماية الموروث الثقافي العراقي، هذه اللجنة الدولية كانت الأولى من نوعها في تاريخ اليونسكو، وتألفت من عدد من الخبراء الدوليين وممثلين عن منظمات دولية وغير حكومية التي في إمكانها تمويل أو تنفيذ نشاطات خاصة بحماية الموروث الثقافي العراقي. وكان الهدف الأساسي منها هو وضع آلية عملية قوية تسمح بالاستعانة بأفضل العقول الدولية جنبا إلى جنب مع نظرائهم العراقيين. وتحدد دور اللجنة في إعادة النظر في الأنشطة المتنوعة الدائرة آنذاك بهدف إعادة تأهيل الموروث الثقافي الوطني على وفق الأولويات التي تضعها السلطات الثقافية المعنية والتأكد من تنفيذ المساعدات الدولية على وفق أعلى المعايير الدولية. وصدر نداء إلى المجتمع الدولي تضمن طلب المساعدة لوقف أعمال النبش غير الشرعية والنهب والانتقال غير القانوني للممتلكات الثقافية العراقية. كما أطلقت لجنة التنسيق الدولية حملة توعية على مدار عام كامل لتذكير المجتمع الدولي بمسؤولياته والعقوبات المترتبة على الانتقال غير القانوني للممتلكات الثقافية. وقد مارست الدوائر الأكاديمية وعلماء مستقلون وإعلاميون في الدول الغربية ضغوطا ملحوظة على حكوماتهم لغرض مساعدة العراق في جهوده المستمرة لاستعادة ممتلكاته الثقافية المسروقة والمنتشرة في العديد من الدول. وجرت أنشطة لتوعية العامة بخصوص التجارة غير القانونية في الممتلكات الثقافية العراقية ولفتت الأنظار إلى أنشطة مؤسسات ثقافية محددة ومؤسسات المزاد العلني في التعامل مع الممتلكات الثقافية العراقية المنهوبة.
ولأسباب سياسية، لم تصدر عن عدة دول غربية تعد المستورد الرئيسي للممتلكات الثقافية، أية ردود فعل إيجابية لما وقع في العراق من كارثة ثقافية ناجمة عن حرب (2003). ومع عام (2009) بدأت تلك المواقف تتبدل بشكل بطيء حينما بدأت تلك الدول التصريح عن استعدادها في التعامل إيجابيا مع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالموروث الثقافي العراقي.


العراق، القانون الدولي، التراث الحضاري، مدينة بابل، كنز نمرود.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع