مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد (2)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


14/12/2022 القراءات: 411  


وإن أمره دائر بين أمرين إما أن يكون مفتريا علىآ الله وإما أن يكون مجنونا فرد الله عليهم مقالتهم وأثبت لهم ما هو أشد وأنكى فقال : ﴿ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ﴾ أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه .
بل إن محمدا  صادق فيما أخبر به من البعث وهم في شقاء عذاب في حياتهم من داخل نفوسهم كفر وشكوك وأوهام وفي الآخرة إذا بعثوا ذاقوا ألوان العذاب لأنهم مجرمون متمردون على الحق وهم في الضلال البعيد الدال على عدم استبعاد البعث وهو أنهم لو نظروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض فرأوا من قدرة الله فيهما ما يبهر العقول ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول ولكنهم كما قال تعالى : ﴿ وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ﴾ وقال عما قاله نوح عليه السلام : ﴿ قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ﴾ .




وفي سورة ق ذكر الله تعالى أنهم استبعدوا البعث وتعجبوا قال تعالى حكاية عما قالوا : ﴿ فقال الكافرون هذا شيء عجيب * أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد ﴾ .
فعقول هؤلاء سخيفة حيث قاست قدرة من هو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم الكامل من كل وجه بقدرة العبد الفقير الضعيف العاجز من جميع الوجوه الجاهل الذي لا علم له .
فقال جل وعلا مشيرا إلى دليل جواز البعث وقدرته عليه مؤكدا علمه بجميع الأشياء ﴿ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ ﴾ حافظ لتفاصيل الأشياء كلها محفوظ عن التغيير والتبديل بكل ما يجري عليهم في حياتهم أو مماتهم .

بعد أن ذكر حال منكري البعث لفت أنظارهم إلى الدليل الذي يدحض كلامهم ألا وهو النظر في آياته الأفاقية كي يعتبروا ويستدلوا بها على ما جعلت أدلة عليه .
فإن من خلق السماء وزينها بالكواكب وأحكمها وبسط الأرض وجعل فيها رواسي وأنبت فيها صنوف النبات صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ويتفاضل في الأكل .
وجعل ذلك تبصرة لأولي الألباب ونزل من السماء ماء فأنبت به خضر الجنان والزرع المختلف الأصناف والألوان والطعوم والنخل الباسق ذا الطلع المتراكم بعضه فوق بعض رزقا للعباد وأحيا الأرض الموات .
أفلا يستطيع من هذه قدرته وهذا شأنه أن يخرج الناس من القبور بعد بلائهم وبعد أن يصيروا عظاما ورفاتا وينشئهم خلقا آخر في حياة أخرى وعالم غير هذا العالم بلي والله إنه على كل شيء قدير وبكل شيء أحاط علما . اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء وسوء المنظر في الأهل والمال والولد اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
( فصل )
ومن الأدلة الدالة على البعث قوله تعالى : ﴿ ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾ .
إن جفاف الزرع ويبس الشجر وانقطاع تغذيته من الأرض وحصاده وتحطمه يشبه حالة الموت في الأحياء .
ثم إن سنة الله الكونية الدائمة الظاهرة المشاهدة في عملية انشقاق

الحبوب في بطن الأرض ونباتها بعد ما سبق من حالها التي تشبه حالة الموت وعودتها إلى الحياة .
والنظرة كرة آخرة وذلك عند وجودها في البيئة الملائمة من ماء ممتزج بالتراب الصالح لتعطي تقريبا حسيا مشاهدا باستمرار في الظواهر الكونية لقصة بعث الحياة وتفرق أجزائها في تراب الأرض .
وقد نبه الله في القرآن إلى هذا الشاهد الكوني الذي يقرب إلي تصور أصحاب هذا التوهم إمكان الحياة الأخرى وإنها تشبه عودة الحياة إلى الزرع والنبات بعد جفافها وما يشبه حالة الموات فيها قال الله تعالى : ﴿ وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج * ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير ﴾ .
وقال في سورة الروم : ﴿ فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ﴾ .
وقال في سورة ق ﴿ ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد * والنخل باسقات لها طلع نضيد * رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ﴾ جعل سبحانه وتعالى ما سبق دليلا على البعث لأنه شبيه به .
وفي التعبير عن إخراج النبات من الأرض بالإحياء وعن إحياء الموتى بالخروج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث وتحقيق للماثلة بين إخراج النبات وإحياء الموتى لتوضيح منهاج القياس وتقريبه لأفهام الناس وكذلك قوله تعالى : ﴿ وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات

كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ﴾ .
ففي إحياء الأرض اليابسة بعد نزول المطر عليها دليل قاطع واضح على إحياء الموتى فكما أحيا الأرض بعد موته يحي الأجساد ويعيد إليها أروحها يوم القيامة .
فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين كما أخبرنا جل وعلا وهو أصدق قائل وذلك أن الله ينزل ماء من السماء فتمطر الأرض أربعين يوما فتنبت منه الأجساد في قبورهم كما ينبت الحب في الأرض ، نكمل إن شاء الله


أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد (2)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


قول في الصميم