مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم
إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ
باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM
20/12/2022 القراءات: 370
في الرَّجَاء "
الرجَاءَ قِيْل فِي تعريفه هُوَ ارتياح لانتظار ما هُوَ محبوب عَنْدَ الإِنْسَان
ولكن ذَلِكَ المتوقع لابد لَهُ من سبب حاصل ، فَإِنْ لم يكن السبب معلوم الوجود ولا معلوم الانتقاء سمي تمنيًا لأنه انتظار من غير سبب ولا يطلق اسم الرجَاءَ والخوف إلا على ما يتردد فيه .
فأما ما لا يتردد فيه ويقطع به فلا إِذًا ، لا يقَالَ أرجو طلوع الشمس ولكن يقَالَ أرجو نزول المطر ، وأخاف انقطاعه وضد الرجَاءَ اليأس وَهُوَ تذكر فوت رحمة الله ، وقطع الْقَلْب عَنْ ذَلِكَ ، واليأس معصية ، قَالَ تَعَالَى إخبارًا عما قاله يعقوب ﴿ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ . ومقدمَاتَ الرجَاءَ أربع ، الأولى : ذكر سوابق فضل الله إِلَى الْعَبْد . وَالثَّانِيَة : ذكر ما وعد الله من جزيل ثوابه وعَظِيم كرمه وجوده دون استحقاق أَوْ سؤال . الثالثة : ذكر كثرة نعم الله عَلَيْكَ فِي أمر دينك وبدنك ودنياك فِي الحال من أنواع الإمداد والألطاف من غير استحقاق أَوْ سؤال . والرابعة : ذكر سعة رحمة الله تَعَالَى وسبقها غضبه وأنه الرحمن الرحيم الغنى الكريم الرؤوف بعباده الْمُؤْمِنِينَ ، وقوة الرجَاءَ على حسب قوة المعرفة بِاللهِ وأسمائه وصفاته وغلبة رحمته غضبه .
قَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ فالرجَاءَ ضروري للمريد السالك والعارف لو فارقه لحظة لتلف أَوْ كاد فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه وعيب يرجو إصلاحه وعمل صالح يرجو قبوله واستقامة يرجو حصولها ودوامها .
وقرب من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها والرجَاءَ من الأسباب التي ينال بها الْعَبْد ما يرجوه من ربه بل هُوَ من أقوى الأسباب . أ هـ .
وقَالَ فِي مختصر منهاج القاصدين : وقَدْ علم أرباب الْقُلُوب أنَّ الدُّنْيَا مزرعة الآخِرَة والْقَلْب كالأَرْض والإيمان كالبذر فيها والطاعات جارية مجرى تنقية الأَرْض وتطهيرها ، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها .
وأن الْقَلْب المستغرق بالدُّنْيَا كالأَرْض السبخة التي لا ينمو فيها البذر ويوم القيامة هُوَ يوم الحصاد ، ولا يحصد أحد إلا ما زرع ولا ينمو زرع إلا من بذر الإِيمَان ، وقل أن ينفع إيمان مَعَ خبث الْقَلْب وسوء أخلاقه ، كما لا ينمو البذر فِي الأَرْض السبخة .
فينبغي أن يقاس رجَاءَ الْعَبْد المغفرة برجَاءَ صَاحِب الزرع ، فكل من طلب أرضًا طيبةً وألقى فيها بذرًا جيدًا غير مسوسٍ وعفنٍ ، ثُمَّ ساق إليها الماء فِي أوقات الحاجة ونقى الأَرْض من الشوك والحشيش وما يفسد الزرع .
ثُمَّ جلس ينتظر من فضل الله تَعَالَى دفع الصواعق والآفات المفسدة إِلَى أن يتم الزرع ويبلغ غايته ، فهَذَا يسمى انتظاره رجَاءَ ، فَأَمَّا إن بذر فِي أرض سبخة صلبة مرتفعة لا يصل إليها الماء ولم يتعاهدها أصلاً ثُمَّ انتظر الحصاد فهَذَا يسمى انتظاره حمقًا وغرورًا لا رجَاءً .
وإِنْ بث البذر فِي أرض طيبة ، ولكن لا ماء لها وأخذ ينتظر مياه الأمطار سمي انتظاره تمنيًا لا رجَاءً ، فَإِنَّ اسم الرجَاءَ إِنما يصدق على انتظار محبوب ، تمهدت أسبابه الداخلة تحت اختيار الْعَبْد ، ولم يبق إلا ما لَيْسَ إِلَى اختياره ، وَهُوَ فضل الله سُبْحَانَهُ بصرف الموانع المفسدات .
فالْعَبْد إِذَا بث بذر الإِيمَان وسقاه ماء الطاعات ، وطهر الْقُلُوب من شوك الأَخْلاق الرديئة وانتظر من فضل الله تَعَالَى ثباته على ذَلِكَ إِلَى الموت ، وحسن
الخاتمة المفضية إِلَى المغفرة كَانَ انتظاره لِذَلِكَ رجَاءً محمودًا باعثًا على المواظبة على الطاعات والقيام بمقتضى الإِيمَان إِلَى الموت .
وإن قطع بذر الإِيمَان عَنْ تعهده بماء الطاعات أَوْ ترك الْقَلْب مشحونًا برذائل الأَخْلاق وانهمك فِي طلب لذات الدُّنْيَا ، ثُمَّ انتظر المغفرة كَانَ ذَلِكَ حمقًا وغرورًا ، قَالَ الله تَعَالَى : ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ﴾ وذم القائل ﴿ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً ﴾ . اللَّهُمَّ يَا عَالِم الخفيات ، ويا رفيع الدرجات ، يَا غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، ذي الطول لا إله إلا أَنْتَ إليك المصير ، نسألَكَ أن تذيقنا برد عفوك ، وحلاوة رحمتك ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وصلى الله علي مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين .
إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع