مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب). (10)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


02/05/2022 القراءات: 745  


من مواقف العزة والاعتزاز:
جاء في "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" للإمام الثعلبي ط دار التفسير (12/ 339-340):
«بلغني أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعلي بن الحسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان، فقال له علي: قد جمع الله تعالى الطب كله في نصف آية من كتابنا.
قال: وما هي؟
قال: قوله عز وجل: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب؟
فقال علي: جمع رسولنا صلى الله عليه وسلم الطب في ألفاظ يسيرة.
قال: وما هي؟
قال: قوله عليه السلام: "المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء، وأعطِ كل بدن ما عودته".
فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبًّا».
ويُنظر عن الحديث المذكور "المقاصد الحسنة" للسخاوي لزامًا.
***
رؤيا عجيبة جدًّا:
جاء في «البداية والنهاية» (13/ 132-133):
"روى الحافظ ابنُ عساكر عن [محمد بن شهاب] الزهري قال:
أصاب أهلَ المدينة جهدٌ شديدٌ، فارتحلتُ إلى دمشق، وكان عندي عيال كثيرة، فجئتُ جامعها، فجلستُ في أعظم حلقة، فإذا رجلٌ قد خرج من عند أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان فقال: إنه قد نزل بأمير المؤمنين مسألةٌ، وكان قد سمع مِن سعيد بن المسيب فيها شيئًا -وقد شذَّ عنه- في أمهات الأولاد يرويه عن عمر بن الخطاب.
فقلت: إني أحفظُ عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب.
فأخذني فأدخلني على عبدالملك. فسألني: ممن أنت؟ فانتسبتُ له، وذكرت له حاجتي وعيالي، فسألني: هل تحفظ القرآن؟
قلت: نعم، والفرائض والسنن.
فسألني عن ذلك كله فأجبته.
فقضى ديني، وأمر لي بجائزة، وقال لي: اطلب العلم، فإني أرى لك عينًا حافظة وقلبًا ذكيًّا.
قال: فرجعتُ إلى المدينة أطلبُ العلم وأتتبعه، فبلغني أنَّ امرأة بـ "قباء" رأتْ رؤيا عجيبة، فأتيتُها فسألتُها عن ذلك.
فقالت: إن بعلي مات وترك لنا خادمًا وداجنًا ونخيلات نشربُ من لبنها ونأكل من ثمرها، فبينما أنا بين النائمة واليقظى رأيتُ كأن ابني الكبير -وكان مشتدًّا- قد أقبل، فأخذ الشفرة، فذبح ولد الداجن، وقال: إن هذا يضيّق علينا اللبن. ثم نصب القِدر، وقطعه ووضعه فيه، ثم أخذ الشفرة فذبح بها أخاه -وأخوه صغير كما قد جاء- ثم استيقظتُ مذعورة، فدخل ولدي الكبير فقال: أين اللبن؟ فقلت: شربه ولدُ الداجن. فقال: إنه قد ضيّق علينا اللبن. ثم أخذ الشفرة فذبحه وقطعه في القِدر، فبقيتُ مشفقةً خائفةً ممّا رأيتُ، فأخذتُ ولدي الصغيرَ فغيبتُه في بعض بيوت الجيران، ثم أقبلتُ إلى المنزل وأنا مشفقةٌ جدًّا مما رأيتُ، فأخذتني عيني فنمتُ، فرأيتُ في المنام قائلًا يقول: ما لك مغتمةً؟
فقلتُ: إني رأيتُ منامًا، فأنا أحذرُ منه.
فقال: يا رؤيا، يا رؤيا. فأقبلت امرأةٌ حسناءُ جميلةٌ، فقال: ما أردتِ إلى هذه المرأة الصالحة؟
قالتْ: ما أردتُّ إلا خيرًا.
ثم قال: يا أحلامُ، يا أحلامُ. فأقبلت امرأةٌ دونها في الحُسن والجمال، فقال: ما أردتِ إلى هذه المرأة الصالحة؟
فقالتْ: ما أردتُّ إلا خيرًا.
ثم قال: يا أضغاثُ، يا أضغاثُ. فأقبلت امرأةٌ سوداءُ شعثةٌ، فقال: ما أردتِ إلى هذه المرأة الصالحة؟
فقالتْ: إنها امرأةٌ صالحةٌ، فأحببتُ أنْ أغمَّها ساعةً.
ثم استيقظتُ، فجاء ابني فوضع الطعام، وقال: أين أخي؟ فقلتُ له: درج إلى بيوت الجيران. فذهب وراءَه، فكأنما هُديَ إليه، فأقبل به يقبِّله، ثم وضعه وجلسنا جميعًا، فأكلنا من ذلك الطعام"!
***
عقبى الرضا:
قال السخاوي في ترجمة الشيخ عمر السمنودي «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» (6/ 112):
«عمر بن عيسى بن عمر السمنودي الشافعي. كان فقيهًا ذا معرفة بالفرائض والميقات مع الصلاح والزهد، مذكورًا بالكرامات وشريف الخصال، انتفع به أهل تلك النواحي كالعز عبدالعزيز بن عبد الواحد المناوي، فإنه أخذ عنه الفقه والفرائض والميقات، بل كان جل انتفاعه به، وكذا لقيه الكمال إمام الكاملية صحبة والده، والجمال يوسف الصفي فلقّنه:
‌يا ‌أيها ‌الراضي ‌بأحكامنا … لا بد أنْ تحمدَ عقبى الرضا
فوِّضْ إلينا وابقَ مستسلمًا … فالراحة العظمى لمَنْ فَوّضا
وإنْ تعلقتَ بأسبابنا … فلا تكن عن بابنا مُعرضا
فإنَّ فينا خلفًا باقيًا … مِنْ كل ما يأتي وما قد مضى".
واحتمل السخاوي في ترجمة الشهاب الحسيني أن تكون الأبيات من نظم السمنودي هذا، قال في (2/ 16):
"أحمد بن علي بن أبي بكر، الشهاب الحسيني سكنًا، الترجمان، أحد الصوفية بخانقاه سعيد السعداء. وُلد قبل القرن بكثير بل الظن أنه قبل سنة سبعين [وسبع مئة]، وكان يَذكر أنه كتب عن الزين العراقي من "أماليه".
وروى عن الشيخ عمر السمنودي ما أنشده إياه -وكأنه من نظمه-:
يا أيها الراضي بأحكامنا … لا بدَّ أنْ تحمدَ عقبى الرضا
فوِّضْ إلينا وابقَ مستسلمًا … فالراحة العظمى لمَنْ فَوّضا
في أبيات. كتب عنه البقاعي في سنة سبع وثلاثين [وثماني مئة] وقال: إنه مات بالقاهرة في حدود سنة أربعين".
وهذه الأبيات الأربعة أوردها ابنُ رجب الحنبلي في كتابه "شرح حديث عمار بن ياسر" (ص 175) ولم ينسبها إلى قائل. وابن رجب توفي سنة (795).
وجاء في "فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب" للفيومي (ت: 870) (2/ 268) بيتٌ خامسٌ وهو:
"لا ينعم المرءُ بمحبوبهِ … حتى يرى الخيرةَ فيما قضى".
***
الحديث والفقه:
سمعتُ بعض المتحدِّثين يحكم على انفصال التخصص في الحديث والفقه، أي وجود محدث غير فقيه وفقيه غير محدث، أنه ظاهرة سلبية.
ولعلي لا أوافق هذا القائل، فالظاهرة السلبية هي التي تناقض الطبيعة والوسع، وأما ما نحن فيه فليس فيه ذلك، وقد قال الشافعي: تريد أن تجمع بين الفقه والحديث؟ هيهات. إنما الظاهرة السلبية أنْ يتكلم المحدثُ في الفقه وهو غير متعمق فيه، أو أنْ يتكلم الفقيهُ في الحديث وهو غير محدِّث.
ثمَّ كأني سمعتُ ما يُشير إلى سوء فهم السُّنة منذ قرون! وهي هذا التعميم نظرٌ يحتاج إلى بصر.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


الصواب في آخر جملة في المقال: وفي (وليس: وهي) هذا التعميم نظر..


حقاً: لا ينعم المرءُ بمحبوبهِ … حتى يرى الخيرةَ فيما قضى


د. عماد آتاكم الله كل خير، وصرف عنكم كل ضير.