مدونة د. عامر ممدوح


فكرة للنقاش : لم لا تكون هناك مراجع ( أولية ) ؟

د. عامر ممدوح | Dr. Aamer Mamdoh


24/07/2019 القراءات: 2050  



(1)

كما هو معلوم للمختصين في حقل التاريخ الإسلامي ، ان مصادر دراستهم تقسم عادة إلى ( مصادر اولية ) ونعني بها المصادر المتزامنة مع الحدث او القريبة منه ، و( المراجع الثانوية ) وهي المؤلفات الحديثة التي كتبها مختصون بعضهم توفي حديثاً ، أو ما زالوا على قيد الحياة .

ولكن تراودني فكرة ما ، فيها شيء من الانصاف لمن ساهم بشق أولى دروب البحث في هذه الحقول الغنّاء ، وهي تقسيم المراجع ذاتها إلى ( اولية ) و( ثانوية ) .

(2)

ينظر إلى المراجع الثانوية عادة بأنها ليست الأساس في البحث العلمي الاكاديمي ، وهذا حق في جانب ، وسبق ان دونت شيء سابق بهذا الصدد ،ودعوت إلى معايشة المصادر الأولية فهي التي تنقلك فعلاً إلى اجواء ودروب التاريخ المطلوبة .. الخ .
ولكن هذا شيء مختلف تماماً ..

فهل يمكن أن يتساوى جهد مؤرخي تاريخ المغرب والأندلس امثال الكبار : محمد عبد الله عنان ، ود.حسين مؤنس ، ود. محمود علي مكي ، ود. عبد الرحمن الحجي ، والسيد عبد العزيز سالم ، وغيرهم ، بجهد ومكانة الباحثين المبتدئين اليوم ، تحت لافتة ( المراجع الثانوية ) ؟

(3)

لقد كتب عنان ومؤنس ومكي وسالم رحمهم الله ، والحجي رعاه الله ، وغيرهم من الرعيل الأول من المؤرخين مؤلفاتهم في وقت ندرة المصادر ، وصعوبة الحصول على المعلومة ، ومشقة البحث ، وعناء السفر ، وعقبات التواصل ، بل وقلة الكتابات التاريخية التي يتم الاستهداء في ضوئها .

بينما نكتب اليوم ، ومكتبات العالم بين أيدينا على جهاز الحاسوب او الهاتف المحمول ، وسهولة التواصل مع كبار الأساتذة والمؤرخين ، وفي لحظة تطور تكنولوجي هائلة تنتقل إلى الأندلس ذاتها ، صورة وصوت ، ناهيك عن تطور الدراسات التاريخية ونموها بالشكل الذي يمنحك المسارات التي نسير فيها .

وينطبق القول كذلك على دراسات منهج البحث التاريخي ، وبقية حقول التاريخ الإسلامي .

(4)

ان تقدير ذلك الجهد ، ضرورة لازمة ، نعم هو جهد بشري دون شك ، وقابل للخطأ والصواب والمراجعة ، ولكن في ذات الوقت ، كان جهد المؤرخين القدامى أيضاُ تعبيراً عن رؤية بشرية وانفعالات وانتماءات ، تركت تأثيراتها على مدوناتهم في جوانب الأمانة العلمية والحياد ، والموضوعية ، مما يشكل واحدة من صعوبات البحث التاريخي .

ان هذه الفكرة التي أقدمها للنقاش ، ليست تجاوزاً على مناهج البحث التاريخي التي يعرفها الجميع ، ولا هي تناقض ربما يشعر به البعض ، بل هو اعادة ترتيب تقسيماتنا للمراجع ، ومنح الأصيل والمبكر منها مكانته التي تليق به ، مرجعاً اولياً ، منهجاً ، وفكراً ، وقيمة معرفية متميزة .


منهج البحث التاريخي ، الأندلس ، المصادر الاولية ، المراجع ، الموضوعية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع