مدونة د. محمد إمام أحمد مغربي


العُلومِ الدّينيَّةُ في عَصْرِ المَماليكِ ( الجزء الرابع )

د. محمد إمام أحمد مغربي | Dr. Mohammed Emam Ahmed Maghreby


12/06/2020 القراءات: 3394  



ب – علم القراءات :

"هو علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن " ، وقد عرف الإمام بدر الدين الزركشي (ت 794هـ) ، قائلا : " القرآن هو الوحي المنزل على محمد ﷺ للبيان والإعجاز ، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفياتها من تخفيف وتثقيل وغيرها " [ الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ،ج1 ،ص318 ] .

ويعد علم القراءات من علوم القران الكريم الهامة ، والتي إنتشرت في العهد المملوكي ولقيت عناية كبيرة من السلاطين المماليك والعامة ، وبرع فيها كثير من علماء العهد المملوكي ، بفضل ذلك التشجيع والرعاية من السلطة المملوكية للمراكز الدينية .

ويعد علم القراءات من أجل العلوم وأشرفها لأنه يتعلق بالقران الكريم ، واتفق أغلب الصحابة على أن القراءة الشرعية الصحيحة هي ما أجمع عليها الصحابة ، وما حفظت بالتواتر وتعرف بالقراءات السبع ، نسبت إلى من اشتهر بروايتها ، وهي أصول القراءة ، والقراء السبعة هم : عبد الله بن عامر الدمشقي المتوفي 118ه ، وعبد الله بن كثير المكي المتوفي 120 ه ، وعاصم الكوفي المتوفي 127ه ، وأبو عمر زياد بن العلاء البصري المتوفي 154ه، وحمزة بن حبيب الكوفي المتوفي 156ه ، ونافع بن عبد الرحمن المدني المتوفي 169ه، وعلى بن حمزة الكسائي الكوفي المتوفي 189ه .

ثم جاءت بعدها القراءات الثلاث المشهورة واعتبرها كثيرون متواترة ، فصارت القراءات عشراً بإضافة ثلاثة قراء هم : أبو جعفر يزيد بن القعقاع المتوفي 132ه ، وأبو محمد يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي المتوفي 205ه ، وأبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب البغدادي المتوفي 229ه [الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ،ج1 ،ص 321،318 ] .

ومن المهتمين بالقراءات أيضا في تلك الفترة ، شمس الدين محمد بن خليل بن محمد المجود (المتوفى 832ه )، الذي كان شيخاً في علم القراءات السبع ،وكذلك شمس الدين الجزري (المتوفى 833ه )، فقد حفظ القرآن الكريم كله ، وتولي مشيخة الإقراء بالعادلية ، ودار الحديث الأشرفية ، والمدرسة الصالحية ، وبني داراً للقران بدمشق فنسب إليه وسميت بجار القرآن الجزرية ، وانتهت إليه رئاسة علم القراءات في الدولة المملوكية .

2- علم الحديث الشريف :
يعد علم الحديث من أشهر العلوم الدينية التي اهتم بها العلماء وطلبة العلم في العهد المملوكي ، ولاقي هذا العلم تشجيعاً خاصاً من السلاطين المماليك ، ووقاف المراكز الدينية ، بل وجعل له مدارس عرفت بمدارس الحديث زخرت بها مدن الشام .

وقد بدا تدوين الحديث في القران الثاني الهجري ، وكانت دراسة علم الحديث تحتل مرتبة متقدمة بين العلوم الدينية ، وتعتبر العصر المملوكي من العصور الذهبية في تاريخ الحديث ومصطلحه وشرحه ، ويعد علم الحديث من أهم مصادر التشريع ، وأجلها قدراً ، وأعلاها رتبة ، وأعظمها مثوبة بعد القرآن الكريم ، وهو كل ما يصدر عن الرسول ﷺ من أقول ، أو فعل ، أو تقرير .

ونالت دراسة الحديث الشريف اهتمام الكثير من السلاطين المماليك في هذه الفترة ، ويظهر ذلك من خلال دور الحديث والكثير من المصنفات في الحديث وعلومه أيضا ، ومن الذين صنفوا في هذا العلم الإمام العالم شيخ المحدثين أبو الحسين رشيد الدين يحيي النابلسي ، وقد إنتهت إليه رئاسة الحديث ، وتوفى سنة 662ه [ الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج17 ، ص 41] .

ومن المحدثين المشهورين الشيخ أبو عبد الله موقف الدين محمد بن عمر الدمشقي الشافعي ، سمع من علماء الشام المحدثين ، وعرف عنه الزهد والخشوع وطول الصحبة توفى سنة 671ه [ العيني ، عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ،تحقيق د. محمود رزق محمود ،ج2،ص109 ] .
وعرف من محدثي الشام الإمام المحدث شرف الدين أبو المظفر يوسف بن الحسن بن بدر بن مفرج النابلسي الدمشقي الشافعي ، كان مشهوراً بالصلاح والإفادة ،وتولى مشيخة دار الحديث النورية بدمشق إلى ان توفى فيها سنة 671ه [ الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج17 ، ص 115 ].

ومما سبق نجد أن الحديث النبوي حظي بعناية جليلة في العهد المملوكي ، ولعل تلك العناية التي برزت بشكل ملحوظ تعبر عن إدراك تام لقيمة الدور الذي يؤديه ، من حث الناس على العبادة ، وتهيئتهم وإعدادهم للجهاد في سبيل الله ، وحثهم على ذلك في بيئة كانت تواجه أخطاراً متعددة .

3- علم الفقة :
الفقه في اللغة : الفهم ، وقيل فهم الأشياء الدقيقة ، وهو التوصل إلى علم غائب بعلم مشاهد .
أما في الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية سواء كان من نصه ، أو استنباطاً من مصادرها الأولية ، وموضوعه أفعال المكلفين ، وفائدته امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه .

وقد ركز فقهاء الدولة المماليك في هذه الفترة على دراسة العديد من المؤلفات المشهورة في الفقه ، فقد اهتم العلماء المذهب الشافعي على دراسة " مختصر المزني " للإمام إسماعيل بن يحيى المزني المتوفى سنه 264ه ، وغيرها من الكتب المذهب الشافعي ، وفي المذهب الحنفي درس كتاب" الجامع الكبير في الفروع " للإمام أبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني المتوفى 189ه . أما علماء المذهب المالكي فكانوا يدرسون كتاب " المدونة في فروع " المالكية لأبي عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم المالكي المتوفى 371ه .


العُلومِ الدّينيَّةُ في عَصْرِ المَماليكِ


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع