مدونة الدكتور محمد محمود كالو


الفاعلية في القرآن والسنة

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


22/03/2022 القراءات: 1153  


الفاعلية في القرآن والسنة

بستان الفاعلية يؤتي أكله على الكون بأسره، يقول الدكتور طارق سويدان: "الفاعليّة مفتاحٌ من مفاتيح النهضة" [الخطة الإستراتيجية، د. طارق السويدان، ص 56].

ولكن هذا المفتاح أضاعته أمتنا الإسلاميّة فأوصدت عُنوةً كلّ المداخل الحضاريّة المؤديّة إلى رغدِ العيش.

وفي تعبيرٍ نبويّ دقيقٍ وفريد لحالة العجز التي تمر بها الأمّة اليوم، يقول عليه الصلاة والسلام: (يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ) [رواه أبو داود].

أنتم يومئذ كثير، حيث أكوام بشريّة هائلة ولكنكم غثاء بغير مهابةٍ، يجري بها التيارٌ الجارفٌ حيث اتجه، وَاهنة مسلوبة الإرادة، فاقدةً بذلك فاعليتها الحضارية وموضعها التنافسي بين الأمم.

فما هي الفاعلية؟ وكيف نفعِّل هذه الفاعلية في مجتمعنا؟

بداية الفاعلية: مصدر صناعي، اختاره مجمع اللغة العربية بالقاهرة، للدلالة على وصف الفعل بالنشاط والإتقان.

والفاعلية من مادة (فعل)، قال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: "الفعل: حركة الإنسان، أو كناية عن كل عمل متعد".

وجاء في المعجم الوسيط ص695: "وصف في كل ما هو فاعل".

وقال مالك بن نبي: الفاعلية هي حركة الإنسان في صناعة التاريخ، إذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ، وإذا سَكَنَ سَكَنَ المجتمع والتاريخ " [تأملات، لمالك بن نبي، ص:125].

وقيل إنها في المفهوم العام: "العمل على بلوغ أعلى درجات الإنجاز وتحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف" [التربية والتجديد: لماجد الكيلاني].

والفاعلية أقسام، منها الفاعلية الفردية، والفاعلية الأسرية، والفاعلية المجتمعية، وفاعلية المنظمات والمؤسسات، والفاعلية الدولية العالمية وغيرها.

إذًا الفاعلية: هي قوة كافية داخلية تبعث في النفس القدرة على العمل الدؤوب والحركة المستمرة من أجل تحقيق أفضل النتائج على المستوى الفردي والاجتماعي في إطار التصور الإسلامي الصحيح.

ويمكن تلخيصه الفاعلية بأنها: الأثر العملي لأفكارنا على أرض الواقع، وبهذا المعنى القرآن الكريم بأكمله كتاب يدعو للفاعلية، لأنه كتاب عملي يذم الانشغال بالقضايا الجدلية التي لا أثر لها في أرض الواقع، قال تعالى: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف:22]
وحين كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في قضايا لا يبنى عليها عمل؛ كان القرآن يتجاهل الإجابة التي يتوقعونها، ويجيب في اتجاه آخر أكثر نفعاً وعمليةً، وهذا ما يسمى في علم البلاغة بأسلوب الحكيم. كقوله تعالى: {يَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْر فَلِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْر فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} [البقرة:215].
فالسؤال كان ماذا ينفقون؟ لكن أجاب القرآن عن مواطن الإنفاق، لأنه لا قيمة للنفقات إن لم توجه إلى وجهتها الصحيحة.

ومن معالم فاعلية القرآن أسلوب التجريد، وهو من الخصائص العظيمة التي تميزه عن غيره من الكتب، فهو كتاب غير محشو بالتفاصيل الظرفية ولكنه يركز دائماً على مواطن العبرة والاتعاظ، والتركيز على مواطن العبرة والعمل هو بالضبط فكرة الفاعلية. ونجد فكرة الفاعلية في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً حين سأله رجل: متى الساعة، فكان رده: (وماذا أعددت لها) فالمهم هو العمل والإنجاز.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن لَقيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا، يُصلِّي الخَمسَ، ويَصومُ رَمضانَ، غُفِرَ له، قُلتُ: أفَلا أُبشِّرُهم يا رسولَ اللهِ؟ قال: دَعْهم يَعمَلوا). [أخرجه أحمد].

هذا الحديث أصل في فكرة الفاعلية، وهو يحمل بشارة عظيمة بالجنة، لكنه في بعض الظروف حديث غير فاعل اجتماعياً لأنه قد يبعث في النفس الكسل والملل، لذلك لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتشر هذا الحديث فقال لمعاذ: دَعْهم يَعمَلوا، ليتفاعلوا على مع الأفكار أرض الواقع.
وبفاعلية الرعيل الأول دخلت الأمة الإسلامية التاريخ من أوسع أبوابه وكوّنت حضارة متميزة في كافة المستويات دامت قروناً من الزمان.

إن الأمة اليوم بحاجةٍ ماسة إلى الارتقاء بالأداء الاجتماعي للفرد والمجموع، في سبيل التحرر من التبعية، من خلال فهم القرآن والسنة بروح العصر ومتطلباته، وتسخير الطاقات البشرية والإمكانات في سبيل الارتقاء بالأمة من كبوتها وانحطاطها الغُثائيّة.


الفاعلية، القرآن والسنة، الحضارة، الغثاء، حركة الإنسان، التبعية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع