مدونة مسعد عامر سيدون المهري


أثر العناصر البيانية في تشكيل الصورة الشعرية 2

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


08/06/2022 القراءات: 1070  


إن الصورة الشعرية بقدر ما تتجسد في العناصر البيانية من تشبيه واستعارة، فإنها تتجسد كذلك في الوصف؛ وهو وإن كان غرضا من أغراض الشعر المشهورة، يعمد إليه الشاعر فينقل المشاهد أمامه فتتراءى في ذهن المتلقي واحات وصور متتابعة، فهو بذلك يلعب دورا محوريا في تكوين الصور الفنية الشعرية، فعلى ذلك لا يقوم التصوير على العبارات المجازية والأساليب البيانية فقط، وإنما "قد تكون العبارات حقيقية الاستعمال، وتكون مع ذلك، دقيقة التصوير، دالة على خيال خصب."
ولنا أن نتصور الصورة التي يقدمها الفرزدق لركب يسيرون في الصحراء تعصف بهم ريح شديدة تكاد أن تقلع ثيابهم وعمائمهم، إلى أن أوتهم إلى شعب.. ومع شدة هبوب الريح في تلك الليلة المظلمة يرون نار تلوح من بعيد، حينها يتمنون أنها نار غالب جد الشاعر. وصورة هنا ذات بعد دلالي عميق وهو الافتخار بالمآثر والفعال االكريمة.. يقول الفرزدق:
وركبٍ كــأنَّ الريح تطلب عنــــدهِـــم .... لها تــــــرةً مـــن جـــــــذبها بالعصـــــــــــــــــــائبِ
سروا يخـــــبطــونَ الريحَ وهـي تَلُفُّهمْ .... إلى شـــعبِ الأكوار ذات الحقـــــــــــــائبِ
إذا آنــسـُوا نــــــــــــــاراً يقولـــــــــــونَ ليتها .... وقد خصِرتْ أيديهمُ نــــارُ غـــــــــــــــــــــالبِ
ولعل مما يزيد الفكرة وضوحا وجلاء ففي هذا السياق؛ قول ابن الرومي يصف الخباز الذي يصنع الرقاق حيث تتبع جزئيات الصورة واستقصاها لمحة لمحة، فأعانه التشبيه على نقل الصورة بحيث يخيل للسامع أنه يرى لوحة كاملة، غير أنَّ الأبيات تفيض حيوية وتنبض بالحركة:
مـا أنـس لا أنـس خبــازا مــررت بـــــهِ .... يــدحو الــرقــاقة وشك اللـمح بــالبــصرِ
مــا بيـــــن رؤيتـهــا فــي كفِّــــــهِ كـــــــــــــــرةً .... وبــــــين رؤيتهــــــا قــــــــــــــــــوراء كالقمرِ
إلاّ بــــمقــــدار مــا تــــنداح دائـــــــــــــــــــــــرةٌ .... فــــي صــفحـــة الــــماء يرمى فيه بالحجرِ
من تأمل هذه الأبيات وما فيها من قدرة إبداعية يعتمد على الوصف رأينا الشاعر بمهارته "وصف الخباز وصفا مستقصيا وأرانا صورة كاملة النواحي، تامة الأضواء والظلال، مستوفاة الأجزاء مع الترتيب والتنسيق، فمن قطعة عجين، إلى تكويرها إلى تقويرها، ثم زاد الصورة وضوحا وتمكينا في النفس بما مثل لها في البيت الثالث من تمثيل حسي، فلو رسم إنسان لنا صورة الخباز يدحو الرقاق ما زادنا معرفة به أكثر من وصف ابن الرومي له."
نخلص مما سبق عمق وأصالة النظرة الجمالية للتصوير الفني في النقد العربي القديم، حيث نُظِرَ إلى الكلام الفني على أنه تصوير وتشكيل وصياغة تتطلب المهارة الفنية في خلق الصور؛ يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني: " ومعلوم أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة، وأن سبيل المعنى الذي يعبر عنه سبيل الشيء الذي يقع التصوير والصوغ فيه كالفضة والذهب الذي يصاغ منهما خاتم أو سوار"( ).


الصورة ، الشعر، الوصف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع