مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي


التّشنيعات على العلوم العقليّة والدّعوة إلى إقصائها عن العلوم النّقليّة

الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab


02/05/2022 القراءات: 1793  


إنّ التّشنيعات على العلوم العقليّة، والدّعوة الرّائجة إلى إقصائها عن العلوم النّقليّة ، والطّعن فيها، بحجّة أنّها علوم أجنبيّة وواردة على الإسلام؛ بغية هدمه، وأنّها لا صلة لها بالعلوم النّقليّة، ومخالفة لظاهر الكتاب والسّنّة، حجّة واهية، وعزوف عمّا يجري عليه الواقع اليوم.

قال الإمام الشّوكاني (As Shawkani, 1419) ردًّا على أصحاب هذه الدّعوة:
ثمّ لا بأس على من رسخ قدمه في العلوم الشّرعيّة أن يأخذ بطرف من فنون، هي من أعظم ما يصقل الأفكار ويصفّي القرائح ويزيد القلب سرورًا والنّفس انشراحّا، كالعلم الرّياضيّ والطّبيعيّ والهندسة والهيئة والطّبّ، وبالجملة فالعلم بكلّ فنّ خير من الجهل به بكثير، ولا سيّما من رشّح نفسه للطّبقة العليّة والمنزلة الرّفيعة، ودع عنك ما تسمعه من التّشنيعات، فإنّها شعبة من التّقليد، وأنت بعد العلم بأيّ علم من العلوم حاكم عليه بما لديك من العلم غير محكوم عليك، واختر لنفسك ما يحلو، ويخشى على من كان غير ثابت القدم في علوم الكتاب والسّنّة، فإنّه ربّما يتزلزل وتحول ثقته، فإذا قدّمت العلم بما قدّمنا لك من العلوم الشّرعيّة فاشتغل بما شئت، واستكثر من الفنون ما أردتّ، وتبحّر في الدّقائق ما استطعت، وجاوب من خالفك وعذلك وشنّع عليك بقول القائل:

(أتانا أنّ سهلًا ذمّ جهلًا ... علومًا ليس يعرفهنّ سهل)
(علومًا لو دراها ما قلاها ... ولكنّ الرّضى بالجهل سهل)

قال -رحمه الله-: وإنّي لأعجب من رجل يدّعي الإنصاف والمحبّة للعلم، ويجري على لسانه الطّعن في علم من العلوم لا يدري به ولا يعرفه ولا يعرف موضوعه ولا غايته ولا فائدته ولا يتصوّره بوجه من الوجوه، وقد رأينا كثيرًا ممّن عاصرنا ورأيناه يشتغل بالعلم وينصف في مسائل الشّرع ويقتدي بالدّليل، لكنّه إن سمع مسألة من فنّ من الفنون الّتي لا يعرفها، كعلم المنطق والكلام والهيئة ونحو ذلك، نفر منه طبعه ونفّر عنه غيره، وهو لا يدري ما تلك المسألة، ولا يعقلها قطّ، ولا يفهم شيئًا منها، فما أحقّ من كان هكذا بالسّكوت والاعتراف بالقصور والوقوف حيث أوقفه الله، والتّمسّك في الجواب إذا سئل عن ذلك بقوله لا أدري، فإن كان ولا بدّ متكلّمًا ومادحًا أو قادحًا، فلا يكون متكلّمًا بالجهل وعائبًا لما لا يفهمه، بل يقدّم بين يدي ذلك الاشتغال بذلك الفنّ حتّى يعرفه حقّ المعرفة، ثمّ يقول بعد ذلك ما شاء.

وسوف نبيّن في المدوّنتين القادمتين غيضًا من فيض من أثر تكامل العلوم النّقليّة والعقليّة في بناء القدرات العقليّة وتنميتها.


التّشنيعات، العلوم العقليّة، العلوم النّقليّة، إقصاء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع