مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


صناعة الجوع، أ. د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


31/05/2023 القراءات: 348  


صناعة الجوع
أشارت منظمة الأغذية والزارعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" وبرنامج الغذاء العالمي إلى أن مليار وعشرين مليون إنسان يعانون من الجوع في العالم: منهم 642 مليون شخص في آسيا، و265 مليون في إفريقيا جنوب الصحراء، و53 مليون في أمريكا اللاتينية ودول الكاريبي، و42 مليون شخص يعانون من الجوع في العالم العربي.
لماذا يجوع أكثر من مليار وعشرين مليون إنسان على الأرض؟ ألقلة الموارد؟ أم لجشع بعض الدول الكبرى واختلال موازين العدالة العالمية؟
إن أزمة الجوع في العالم ليست وليدة اللحظة ولم تأت فجأة، فعشرين في المائة فقط من البشر في الدول الصناعية الغنية يستحوذون على 80% من ثروات العالم، وهو استحواذ بدأ مع الحركة الاستعمارية الأوربية الغربية، كرسته فيما بعد عبر تنصيب الطغاة والحكومات الفاسدة التي تفتقر للكفاءة، وعبر الشركات العابرة للقارات، والتي تسيطر على الإنتاج الزراعي والغذائي وتتحكم بالأسعار، ولا تتورع عن إلقاء الغذاء في قاع المحيطات للحيلولة دون هبوط أسعاره.
أما المجرمون في حكومات دول العالم الثالث فقد اهتمت بتخصيص الأموال الطائلة للجيش والعسكر الذي يحفظ أمن كرسيها لا أمن الوطن، ويضمن بقاءها في الحكم على حساب قوت الشعب البائس وغذائه.
فالعرب الذين يشكلون 5% من سكان العالم يستوردون أغذية بقيمة 100 مليار دولار سنوياً وفق تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، وتقول منظمة الأغذية والزارعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" التابعة للام المتحدة: إن حل مشكلة الغذاء في العالم العربي لا يحتاج أكثر من استثمار 10 مليارات دولار سنوياً في الزراعة على أسس سليمة. فلماذا يدفع العرب 100 مليار دولار لاستيراد الغذاء، ولا يستثمرون عُشر هذا المبلغ لكي ينتجوا حاجتهم من الغذاء؟ علاوة على ذلك فإن رفع أسعار المستوردات العربية من الأغذية في الآونة الأخيرة فاقت الخيال، بل ذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة: أن معدلات الجوع في سورية، بلغت مستويات قياسية! نعم في سورية، بلد الخيرات والمقدرات!
كالْعِيسِ فِي الْبَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا وَالْمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ
هذه الأرقام والمعطيات تفضح واقع الأمن الغذائي العربي، فهل ستستدرك هذه الحكومات المعادية لشعوبها الأمر؟ أم أنها تسعى مع أعداء شعوبها لتصنع الجوع والجوعى والمجاعات؟
الجوع وما أدراك ما الجوع، إنه كائن مارد جبار لطالما دك عروشاً، ظن متسلقوها أنهم في مأمن من أيدي الشعوب، لقد كانت نُدرة الطعام قديماً سبب ينتج عنه المجاعة، أما اليوم فالحكومات الظالمة تسعى لصناعة الجوع على غرار المثل العربي الشهير (جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك)، ومن هذه الحكومات من يوفر الطعام، ولكنه طعام ملوث أو مسرطن أو غير معلوم المصدر، فقمحهم مسرطن، وسمكهم وليد مزارع تطعمه أحشاء الدجاج لينتشر الأمراض كجنون البقر وأنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها، وإذا ذهبت إلى الجزار فلا تدري هل سيبيع لك لحم حمار أم كلب؟ وكذلك إذا جلست لتأكل في أفضل المطاعم، فلا تدري ما الحيوان الذي يقدَّم لك من لحمه على المائدة؟ علاوة على السعار وغلاء الأسعار.
لقد كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يتعوَّذ من الجوع ويقولُ في دعائه: (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الجوعِ، فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ) [رواه أبو داود].
ويقول أيضاً: (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الفقرِ والقِلَّةِ والذِّلَّةِ، وأعوذُ بك من أن أظلِمَ أو أن أُظلَمَ) [رواه أبو داود].
ومما ينسب لسيدنا علي رضي الله عنه أنه وصف الفقر بالكفر، فقال: لو كان الفقر رجُلاً لقتلته، والقبر خير من الفقر.
وقد قيل: الجوع كافر، بل الجوع ليس كافراً وحسب، إنما هو أبو الكفار، وكما قال الشاعر مظفر النواب:
لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر
فالجوع أبو الكفار
أنا في صف الجوع الكافر
ما دام الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار..
وكأن الشاعر معروف الرصافي حينما قال قصيدته (الأرملة المرضعة) كان قد تنبأ بما سيحصل للأرامل في هذا العصر البئيس، فقال:
لقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا
تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ
وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا
وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا
وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَا
وأخيراً: ما أروع قول الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: "عجِبتُ لِمْن لا يجِدُ قُوتَ يوْمِهِ كيْفَ لا يْخرِجُ على النّاسِ شاهِراً سيْفَهُ".
ويا صنّاع الجوع: حذار من غضب المسحوقين، فإنه إن انفجر، فلن يذر، ولن يبقي لكم أي وجودٍ أو أثر، وقد أعذَرَ مَنْ أنْذَر، وأنْصَفَ مَنْ حَذَّر.


صناعة الجوع، الأمن الغذائي، برنامج الغذاء، الفساد، الضجيع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع