وصايا الآباء والأمهات للبنات الغاليات في ليلة الليلات
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
17/07/2024 القراءات: 607
من الفنون الأدبية فنُّ الوصايا، وقد تعددتْ هذه الوصايا بحسبِ الموصِي والموصَى، وبحسب الحال، والظرف الزماني والمكاني.
ومِن جميل الوصايا وتقديمِ الخبرات والمهارات ما قام به جملةٌ من الآباء والأمهات لبناتهم حين الزواج، والبنتُ غاليةٌ على أبويها، أثيرةٌ عندهما، وهما مِنْ أحرص الناس على مصلحتها وراحتها وسعادتها.
وهذه جملةٌ من ذلك تكشفُ عن حبٍّ بالغٍ، وعقلٍ راجحٍ، وشفقةٍ كبيرةٍ:
***
«أوصى الفرافصةُ ابنتَه نائلة حين زفّها إلى عثمان فقال:
يا بنية: إنك تقدمينَ على نساء قريش، وهنَّ أقدر على الطِّيب منك، فلا تُغلَبي على خصلتين أقولهما لك: الكحل، والماء، تطهّري حتى يكون ريحُ جلدِك كأنه ريحُ شنٍّ أصابه مطرٌ» . [الشن: جلدٌ يابسٌ يُغطَّى به الطبقُ].
***
«أوصى أبو الأسود الدؤلي ابنتَه ليلة البناءِ بها فقال:
يا بنية: كان النساءُ أحقَّ بأدبك مني، ولكن لا بدَّ لي منه.
يا بنية: إنَّ أطيبَ الطيب الماءُ، وأحسنَ الحسن الدُّهن، وأحلى الحلاوة الكُحل.
يا بنية: لا تكثري مباشرة زوجك فيملَّك، ولا تباعدي عنه فيجفوك، ويعتل عليك، وكوني كما قلت لأمّك:
خذي العفو مني تستديمي موَّدتي ... ولا تنطقي في سَورتي حين أَغضبُ
فإنِّي رأَيتُ الحبَّ في الصَّدر والأذى … إذا اجتمعا لم يلبث الحبُّ يذهبُ» .
وفي «محاضرات الأدباء» : قال أبو الأسود لابنته: إياكِ والغيرة، فإنها مفتاحُ الطلاق.
وأمسكي عليك الفضلين: فضلَ ...، وفضلَ الكلام، وكوني كما قيل:
خذي العفو مني تستديمي مودّتي … ولا تنطقي في سَورتي حين أغضبُ
***
«قال أبو عمرو بن العلاء: أنكح ضرار بن عمرو الضبي ابنتَه مِن معبد بن زرارة، فلما أخرَجها إليه قال:
يا بنية: أمسكي عليك الفضلين: فضلَ ...، وفضلَ الكلام» .
***
«أوصى الديّانُ بن قطن الحارثي ابنته، فقال:
يا بنية: لا يعلون صوتُكِ على صوت زوجك، ولا يكون أمرك على أمره، واعلمي أنَّ كرام النساء المغلوبات لا الغالبات.
فإنْ أعطاكِ يسيرًا، فاستزيدي، ولا تحقري، وإنْ أكثرَ لك فاشكري، ولا تبطري.
وإنْ ساءتكِ منه خليقة، فكوني به رقيقة.
واعلمي أنَّ جوادًا معسرًا خيرٌ مِنْ عشرة مياسر بخلاء» .
***
«لمّا أراد أسماءُ بنُ خارجة الفزاري أن يُهدي ابنته إلى زوجها، قال لها:
يا بنية: كان النساءُ أحقَّ بأدبكِ مني، ولا بدَّ لي مِن تأديبك.
يا بنية: كوني لزوجِك أمةً يكن لك عبدًا، ولا تدني منه فيملك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه.
وكوني كما قلتُ لأمك:
خذي العفوَ مني تستديمي مودتي … ولا تنطقي في سَورتي حين أغضبُ
فإني رأيتُ الحبَّ في الصدر والأذى … إذا اجتمعا لم يلبث الحبُّ يذهبُ
وقال أسماء بن خارجة لبنته ليلة هدائها: عليكِ بأطيب الطيب وهو الماء، وبأحسنِ الحسن وهو الكحل والحنّاء.
وإياك وكثرةَ المعاتبةِ فهي مقطعةٌ للمودة، والغيرةَ في غير موضِعها فهي مفتاحُ الطلاق" .
***
وقال ابنُ أبي الدنيا: «حدّثني الحسينُ، أنّ أعرابيّةً، مِنْ صباحٍ مِنْ عَبْدِ القَيْسِ أوصتْ ابنتها عند هِدائها فقالت:
لا تَهْجُرِي في القولِ لِلبَعلِ ولا … تُغْرِيهِ بِالشّرِّ إِذا ما أَقبلا
فأوَلُ الشرِّ يكُونُ جللًا ... مُحْتَقرًا ثُمَّ يَصِيرُ مُعْضَلا» .
***
«أوصتْ أعرابيةٌ ابنتَها وقد زوَّجتها فقالت: لو تُرِكت الوصيةُ لأحدٍ لحُسن أدبٍ أو لكرم حسبٍ لتركتُها لك، ولكنها تذكرةٌ للغافل، ومعونةٌ للعاقل.
يا بنية: إنكِ قد خلَّفتِ العُش الذي فيه درجتِ، والموضعَ الذي منه خرجتِ، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه.
كوني لزوجك أمةً، يكن لك عبدًا.
واحفظي عني خصالًا عشرًا، تكن لك ذخرًا وذكرًا:
أما الأولى والثانية: فحُسنُ الصحابة بالقناعة، وجميلُ المعاشرة بالسمع والطاعة، ففي حُسن الصحابة راحةُ القلب، وفي جميل المعاشرة رضا الرب.
والثالثة والرابعة: التفقُّدُ لموضع عينه، والتعاهدُ لموضع أنفه، فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يجد أنفُه منك خبثَ ريح. واعلمي أن الكحلَ أحسنُ الحسن المودود، وأن الماء أطيبُ الطيب الموجود.
والخامسة والسادسة: فالحفظُ لماله، والإرعاءُ على حشمه وعياله، واعلمي أنّ أصل الاحتفاظ بالمال مِنْ حسن التقدير، والإرعاء على الحشم والعيال مِنْ حسن التدبير.
والسابعة والثامنة: التعاهدُ لوقت طعامه، والهدوءُ عند منامه، فحرارةُ الجوع ملهبة، وتنغيصُ النوم مغضبة.
والتاسعة والعاشرة: فلا تفشينَ له سرًّا ولا تعصينَ له أمرًا، فإنك إنْ أفشيتِ سرَّه، لم تأمني غدرَه، وإنْ عصيتِ أمرَه أوغرتِ صدرَه» . "ثم بعد ذلك إياكِ والفرح حين اكتئابه، والاكتئاب حين فرحه، فإنَّ الأولى من التقصير والثانية من التكدير، وأشدُّ ما تكونين له إعظامًا أشد ما يكون لكِ إكرامًا، ولنْ تصلي إلى ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاكِ، وهواه على هواكِ، فيما أحببتِ أو كرهتِ، والله يضعُ لك الخير" .
***
"أوصت امرأةٌ ابنتَها وقد أهدَتها إلى زوجها، فقالتْ:
كوني له فراشًا يكن لك معاشًا، وكوني له وطاءً يكن لك غطاءً.
وإياكِ والاكتئابَ إذا كان فرحًا، والفرحَ إذا كان كئيبًا.
ولا يطلعنَّ منكِ على قبيح، ولا يشمنَّ منك إلا الطيب ريحًا.
ولا تفشينَ له سرًّا، فإنك إنْ أفشيتِ سرَّه، سقطتِ مِن عينه، ولم تأمني غدرَه.
وعليكِ بالدُّهنِ والكحلِ فهما أطيبُ الطيب" .
***
"زوَّجَ عامرُ بنُ الظرب ابنتَه مِن ابن أخيه، فلما أرادوا تحويلهما قال لأمها: مُري ابنتكِ ألا تنزل مفازةً إلا ومعها ماء؛ فإنه للأعلى جلاء، وللأسفل نقاء، ولا تكثرْ مضاجعته، فإنه إذا ملَّ البدنُ ملَّ القلب، ولا تمنعه شهوته، فإنَّ الحظوة الموافقة.
فلم تلبثْ إلا شهرًا حتى جاءته مشجوجةً! فقال لابن أخيه: يا بنيَّ: ارفعْ عصاك عن بَكرتك [ناقتك] تسكنْ، فإنْ كانت نفرتْ مِن غير أن تُنفَّر، فذاك الداءُ الذي ليس له دواء، وإنْ لم يكن بينكما وفاقٌ، ففراقُ الخلع أحسنُ من الطلاق، ولن تترك أهلك ومالك. فردَّ عليه صداقَه، وخلَعها منه، فهو أولُ خُلعٍ كان في العرب» .
***
ولها تتمةٌ منعَ مِنْ نشرها تحديدُ الموقع عدد كلمات المقال.
الزواج السعيد. شفقة الوالدين. الوصايا. النصائح
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع