مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


قلب الحقائق شعار الدجاجلة

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


25/10/2023 القراءات: 748  


قلب الحقائق شعار الدجاجلة
إن احترام العقول وعدم الاستهانة بِها؛ هو الطريق الأمثل والأسلوب الرفيع، ولذا نجد الذي يَملك الحقيقة ليس في حاجة تلجئه إلى النزول في مستوى خطابه، وما نسمع ونشاهد من استخفاف بعض الناس بالعقول، دليل على ضعف دعواه، وهذه حُجَّةُ الضعفاء، وفاقدي الحجج والبراهين دائماً وأبداً، ولذا كان ذلك الإكرام من الله تعالى للعقل بالخطاب الواضح المبين، والأدلة والبراهين، وبالكلمة الطيبة، والعبارة التي لا تحمل زخرفاً وتَمويهاً، قال الله تعالى: {هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52]، و{أُولُو الأَلْبَابِ}هم أولو العقول والنهى.
أما أسلوب قلب الموازين وعكس المفاهيم فأسلوب قديم استخدمه أهل الكفر والشرك مع أنبيائهم، فكانوا يرمونهم بالبهتان والكذب، ويرمونهم بما هو فيهم أنفسهم وهم أولى به، فأهل الشرك لما جاءهم نوح عليه السلام يدعوهم ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، ووصفوه بأنه في ضلال مبين {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأعراف:60].
وقالوا لنبي الله هود عليه السلام: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [الأعراف:66]
وهكذا فعلوا مع كليم الله موسى عليه السلام، فقد جاء موسى بأدب الداعي يدعو فرعون وملأه بكلام هين لين عله يسمع ويطيع: {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ.‏ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} [يونس:76]
وبنفس الطريقة قوبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أصدق من في الكون، فاتهموه بالجنون وبالسحر وبالكذب: {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان:14، وقالوا: {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4].
ثم استخدم أهلُ الباطل هذا الأسلوب مع أهل السنة، فتراهم يأتون بالباقعة والداهية الدهياء التي لا يسترها ليل، ولا يغطيها ذيل، ثم بعد ذلك يرمون بها أهل الحق، ويطمسون الحقائق بأسلوب سمج، وبرودة وسخافة.
ومن المعلوم أن الاستخفاف بعقول الناس من الأساليب الرديئة، وطريقة أصحاب الباطل البذيئة، ودعاة الضلال والرذيلة، وهذا ما فعله فرعون مع قومه لصدهم عن الحق، فكان نبي الله موسى يدعو إلى الحق والتوحيد، وعبادة الله وحده، وفرعون مصر استخف بعقول المجتمع والعوام من الناس، وذهب يقلب الحقائق والمعاني الصحيحة؛ التي جاء بها موسى عليه السلام، قال الله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54].
وكذلك مارس إبليس قلب الحقائق والتزيين والتلاعب بالألفاظ، من أجل نصرة طريقته، وتكثير أنصاره وأتباعه، قال الله تعالى حكاية عنه: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:39-40].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمسيح الدجال وحذر أمته من باطله، فكثير من أهل الأرض اعتنق مذاهب وطرائق مصدقاً لَها وهي في الحقيقة باطل، وذلك بسبب التزيين والتمويه الذي يحمله الدعاة إلى هذه الملل الباطلة، وقلب الحق باطلاً، وجعل الباطل حقاً، ولذا حذر أمته من المسيح الدجال وأشباهه من دعاة الضلال، وعلمهم هذا الدعاء: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ) [رواه مسلم].
واليوم في العدوان الإسرائيلي، يفاجئنا الإعلام الغربي الذي يمارس الكذب البواح لإظهار الفلسطينيين في صورة سيئة، وتبرئة ساحة الإسرائيليين من الوحشية التي بدت جلية في قصف المساجد والمستشفيات والأبنية السكنية في المدينة المحاصرة، بل تسابق ماكرون وبايدن وسوناك وشولتز في الافتراءات والكذب وقلب الحقائق، وكان أبرزها وأكثرها افتراءً زعمَ بايدن رؤيته لأطفال إسرائيليين، يقوم مقاتلو حماس بقطع رقابهم!
كانت هذه الكذبة فجة لدرجة أن البيت الأبيض اضطر لتكذيب الرئيس، ونفى الكذبة الفاقعة والتي رددها بايدن دون أن يحدد مصدرها، وقد اتضح أن جندياً إسرائيلياً اخترعها ومررها على وسائل الإعلام.
وكذبة أخرى نقلتها صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» عن عمليات اغتصاب للنساء قام بها مقاتلون فلسطينيون، وقد اضطرت الصحيفة للتراجع ونفي الخبر برمته.
وفرية ثالثة تتعلق بالفتاة الألمانية التي زعموا قتلها على يد الفلسطينيين، ثم اتضح أنها على قيد الحياة وأن الغزاويين هم الذين أنقذوا حياتها.
وأخيرًا أحب أن أزف البشرى لأهل الحق الذين ظلمهم الإعلام البذيء والرديء، فإن واقعنا يثبت أن منتج الإعلام الذي تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان نال منه، ما وصل إلينا الإسلام ولا بلغنا شيء من الحق الأبلج؛ بل ذهب كله هباء كما سيذهب إن شاء الله المنتج الإعلامي الحالي كله؛ ليبقى الحق كما بقِي من قبلُ: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].
ولكن هذا مشروط بمدافعة أهل الحق لأهل الباطل؛ حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].



قلب الحقائق، شعار الدجاجلة، بايدن، الاستخفاف، الكذب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع