مدونة أ.د.اخلاص باقر هاشم النجار


تــعــلـّــم مـهـــارة الكتابة لــتــرتــقــي بأفــكــارك ...

اخلاص باقر هاشم النجار | Prof.Dr.Ikhlas Baqir Hashem Al-Najjar


18/12/2019 القراءات: 3945  



للوهلة الأولى قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن كتابة الخواطر والمقالات وسرد الأحداث القصصية من الأمور المستحيلة،ولكنه إن استذوق الفكرة سيجد نفسه في الدرب ماشياً،نعم الأمريعتمد على الموهبة أولا،ولكن الموهبة لوحدها لن تنجح دون الاكتساب والخضوع لقواعد المنظومة التعليمية ، فمن الأمور المهمة لهذا النهج هو التدرج في القراءة لأنها تضيف إلى العقل إمكانات لغوية وأدبية وإبداعية ومنطقية ودلالية جديدة،ومقدرة على وصف الأحداث ورصف الصور وإستخدام التشبيه والمقارنة والاستعارة،لتجعل النص أكثر عُمقاً وتأثيراً في خيال القارئ، وتتيح للكاتب فرصة لتكوين فكرته المستقلّة ورؤيته الخاصّة بمنظاره الذي يحركه كيف يشاء على جوانب الحياة المختلفة،لتتوافق مع ذائقة القارئ لموضوعات جديدة تتوافق مع حداثة الحياة وتغيراتها السريعة،فموهبة الكتابة تتطلب الكثير من الجهد لصقلها والوصول بالأفكار إلى حد إمكانية التعبير بالكتابة الإبداعيّة،التي يمكن عدّها احد المخرجات المعرفية التي لابد أن تمر عبر مراحل التحضير،وإعادة الصياغة،والمراجعة،والتدقيق والتسويق ،والتدرج هنا يعني صعود سلم الكتابة من البداية وليس القفز عليه قفز عشواء،كالبدء بقراءة المقالات الأدبية والاجتماعية والتاريخية والخواطر وقصيدة النثر والقصة القصيرة جدا والقصة القصيرة ثم الدخول في عالم الكتابة الكبير المتباعد الأطراف،للتزود بطاقة الكتابة المتجددة لتظهر في لفظ أنيق وعبارات مزوقة وجمل متلألئة، والتلاعب بحبل المعاني بحسب فكرة وهدف المقال،ولا يغرب عن الخلد أن الكتابة مهارة،وأنها كانت السبب الرئيس في التواصل بين مجتمعات البشر المختلفة،وهي في الأصل براءة اختراع لوسيلة حلت محل التراسل الشفوي، فطورت من رسومات إلى أحرف وكلمات،ومنها تكون تاريخ الحضارة البشرية الذي نعرفه اليوم،ومن هذه المهارة انطلقت كل العلوم الأخرى النظرية والتطبيقية.
أنا اجزم جدلا أن كل متعلم راوٍ،لأنه يكتنز في ذاكرته ملايين المعلومات والمشاهدات التي تتلمذ عليها خلال حياته التعليمية في مراحل المنظومة التعليمية والحياتية،ولكنه قد لا يجد الجرأة الكافية لإستخراج وترتيب هذه المعلومات المتناثرة على رصيف ذاكرته،خذ مثلا عندما تضع رأسك على الوسادة في ساعة الأرق كم كلمة ستتكلم ربما ينطوي الليل وأنت ما زلت تتكلم،ماذا لو أخذت القلم والورقة وسطرت هذه الكلمات وحررت نفسك منها ستجدها مشهدا كاملا لا محالة،ماذا لو استفزك موقف ولم تجد الإجابة الكافية في حينها وتذهب أدراجك،ستبقى تتكلم مع نفسك بكلمات جديدة أخرى لم تظهر في حينها،ماذا لو عشت لحظة من الفرح أو الألم أو الفشل أو الهزيمة ، ستتكلم في دخيلة نفسك وتسطر ألاف الكلمات،هل ستجد الجرأة الكافية لكتابتها على الورق ومراجعتها مرات ومرات ، ستجدها تبلورت إلى مشهد أخر يضاف إلى المشهد الجديد،ماذا لو أخطأت في حق أنسان؟،ستتكلم في نفسك مرارا وتكرارا حول تأنيب الذات ان كنت تملك ضميرا للتعبيرعن الذات،ستجد الضمير الحي مثل السوط الذي يضرب روحك ويأمرك بالتراجع،هل فكرت بالكتابة يوما؟أم الخوف من الفشل يمنعك من ذلك،ولعل أبرز ما يعلق في ذاكرتنا الإحصائية المتواضعة قانون التجربة والخطأ،نعم قانون التجربة والخطأ يمكن ان نطبقه على كتاباتنا العلمية والأدبية والاجتماعية،نكتب ونحاول أن نطرق خوفنا من الفشل بمطارق ذهنية،نكتب ونحاول الكتابة،لأن الذي يكتب خيرا من الذي لا يكتب فلماذا أذن نفكر بالفشل،وان فشلنا في خطواتنا الأولى في الكتابة،سنتدرج في الكتابة ونستفيد من ملاحظات الآخرين .
بدأت أكتب مشاهداتي اليومية وأنا في الإعدادية ومن حسن طالعي أن الأقدار عرفتني على من يدعمني ويشجعني حتى وان كانت كتاباتي كخيوط العنكبوت،كانوا خير معين لا ينضب في التشجيع ومدي بالكتب الأدبية، حقيقة كنت اهتم بقراءة الكتب الخارجية أكثر من اهتمامي بالكتب المنهجية،وكنت أسعى إلى حصد اكبر قراءات ممكنة للكتب أكثر من تفكيري بحصد الدرجات،المهم أن احصل على درجة النجاح غير مكترثة،سنوات طوال وأنا أتدرب على الكتابة وأتقمص دور الكاتب وأعيش اللحظة وأعيد الصياغة تلو الصياغة بحسب المفاهيم التي كنت استقيها من قراءاتي المتجددة،ولعل الجدار الحر الذي كان في زمن التسعينيات في قسم الاقتصاد البذرة الأولى لمقالاتي التي سيقرؤها الجميع ويرد عليها المسؤول بإحترام ومسؤولية قانونية حتى وأن كان ناقدا لأدائه،وأنا طالبة في المرحلة الأولى،وجدت جدارا حراً ومقالات تتحرر على أيدي كتابتها،فالكتابة اليومية الشخصية هي أفضل تدريب على تطوير المهارة،وهو أن يكتب الشخص كلّ ما يفكر فيه حاجاته ورغباته وعواطفه وهواجسه تجاه الآخرين وأهدافه،وصف نفسه ومكانه الذي يجلس فيه ووصف برنامج حياته اليومية،مع التركيز على الفكرة الأساسيّة وطريقة عرضها،وبعد التخصص الوظيفي سيجد الكاتب نفسه وقد تفرد بجانب إستذوق البقاء فيه كالمقالات الصحفيّة السياسية أو الأدبية أو البحثيّةالخ،أمّا الكتابة الأدبية فهي بحر متباعد الأطراف تحتاج إلى فيض من كنوز المفردات لإثراء النص،مع مراعاة علامات الترقيم والقواعد النحويّة والمنطقية والدلالية في الكتابة،وفي الأيام الأخيرة نسمع الدعوات إلى تهميش الجانب النظري في بعض الرسائل الجامعية وجعله في فصل واحد أو أقل والتركيز على الجانب الكمي فقط،بذريعة إننا نحاكي الغرب في هذا المجال،وعندما نتصفح الكتب الأجنبية نجدها وقد اكتسحت مئات الصفحات النظرية في تفسير نظرية واحدة فقط،وعندما نستمع لبعض المناقشات للرسائل الجامعية لبعض الذين تتاح لهم المناقشات دون غيرهم يذكرون عبارة:(الجانب النظري ليس لي علاقة فيه)،(واللغة ليس لي علاقة فيها فالرسالة خضعت للتقويم اللغوي)،كيف يمكن للبناء الاقتصادي أوالإحصائي أن يكتمل دون تأسيس قاعدة نظرية صلدة توثق لهذا العمل،نعم الجانب الكمي الذي ينجزه حاسوبك مهم،ولكن الجانب النظري الذي تنجزه مهارة عقلك أهم،وكلاهما سيان في كفتي ميزان،ومن افتقر إلى هذه المهارة من الأكيد والمؤكد أن يتجاوزها ويدّعي عدم أهميتها لأنه قطعاً لا يفهمها .


المهارة ، فن الكتابة ، ثقافة التدوين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


سعادة البروف اخلاص باقر هاشم النجار.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. مقال ممتاز.. وكله ابداع.. وينم عن دربة ومهارة وارتقاء.. زادك الله علما وتقى ورفعة ونفع بك.


حضرة الدكتور مصطفى عبد الله احمد خيري ، عليكم السلام ورحمة الله وبركاته جزيل الشكر لجنابك الكريم على تفضلك بزيارة مدونتي المتواضعة وتسجيلك كريم الكلام وأنيق اللفظ وجمال الحمس حفظك الله تعالى ...


حضرة الدكتور مصطفى عبد الله احمد خيري ، عليكم السلام ورحمة الله وبركاته جزيل الشكر لجنابك الكريم على تفضلك بزيارة مدونتي المتواضعة وتسجيلك كريم الكلام وأنيق اللفظ وجمال الشعور حفظك الله تعالى ...