مدونة د. طه أحمد الزيدي


التوطئة في أحكام الأوبئة/ حكم التفريق بين الزوجين بسبب الأمراض الوبائية

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


21/03/2020 القراءات: 4815   الملف المرفق


فإنّ الأوبئة أمراض، وأكثرها معدية، ويقسمها الأطباء إلى نوعين: مرض معدٍ يمكن علاجه، وآخر مزمن لا يمكن علاجه، إلا بإذن الله، وسنحاول في هذه الأسطر دراسة حكم هذين النوعين في استمرار الحياة الزوجية إن اصيب بأحدهما أحد الزوجين، وسبل الوقاية القبلية قبل الزواج والاثار البعدية بعد التفريق ، وفق المسائل الآتية:
المسألة الاولى: الإصابة بمرض معدٍ يمكن علاجه
هذا النوع من الأمراض يمكن إلحاقه بالعيوب التي يمكن معالجتها كالعِنّين في الرجل والقَرَن والرَتَق في المرأة، فهذه العيوب هنالك إمكانية لمعالجتها خلال مدة معينة.
والمرض المعدي مع اشتراكه في هذه العيوب بمنع لذة الجماع ولكنه يزيد عليها بالنفرة، ولذا ذهب الفقهاء المعاصرون الى أن العيوب المشتركة بين الزوجين التي توجب خيار الفسخ هي أمراض أو اوصاف تحل بالرجل أو المرأة وتسبب الضرر والنفرة. (الاحكام الشرعية المتعلقة بمرض الايدز للدكتور عمر سليمان الاشقر ضمن مجموعة دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة 1/52، وفسخ النكاح بالعيوب والامراض ، للدكتور صالح بن محمد الفوزان، ص 5)، والمرض المعدي من وباء وغيره يدخل في حكم هذه العيوب المشتركة بين الزوجين وقد اجتمع في أغلبها الضرر والنفرة والاشمئزاز.
أولا: حكم التفريق عند إصابة الزوج بالمرض المعدي الذي يرجى برؤه:
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية الى اثبات خيار فسخ النكاح للمرأة بسبب هذه العيوب، قال محمد: خلوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر. (مواهب الجليل للحطاب 3/484، وحاشية الدسوقي 2/277، وروضة الطالبين للنووي 7/176، ومغني المحتاج للشربيني 3/202، والمغني لابن قدامة 10/57، وكشاف القناع للبهوتي 5/109، والمبسوط للسرخسي 5/97، وبدائع الصنائع للكاساني 2/327).
واختارته مجامع فقهية كالمجمع الفقه الاسلامي وجمهور الفقهاء والباحثين المعاصرين كالدكتور أحمد حسن الطه والدكتور عمر سليمان الاشقر والدكتور صالح الفوزان (مجلة مجمع الفقه الاسلامي العدد 8 ج3/ 9، ومدى حرية الزوجين في التفريق قضاء، ص الاحكام الشرعية المتعلقة بمرض الايدز للأشقر 1/52 ، فسخ النكاح بالعيوب والامراض، للفوزان ص 15).
وقاس عليها بعض الفقهاء كل مرض فيه ضرر أو نفرة ، قال ابن القيم : "والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار".
(زاد المعاد لابن القيم ، 5/166).
وأدلتهم جميع الاحاديث النبوية الواردة في الأمر بتجنب المصابين ببعض الأمراض المعدية والمنفرة كحديث: (لا يوردن ممرض على مصحٍ)، (متفق عليه)، وحديث: (فرّ من المجذوم فرارك من الاسد)، (أخرجه أحمد) ، والجذام من الأمراض المعدية .
وجه الدلالة: إنّ المرأة لا يمكن لها أن تفرّ من زوجها المصاب وتتجنبه الا بطلب الفرقة منه، وفيه اثبات حق الفسخ للمرأة؛ لأنها لا تملك الطلاق. (بدائع الصنائع للكاساني 2/328، ومغني المحتاج للشربيني 3/202، وكشاف القناع للبهوتي 5/106).
وجاء في بعض الآثار عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال: (إذا تزوجها برصاء أو عمياء فدخل بها فلها الصداق ويرجع به على من غرّه)، (أخرجه ابن حزم في المحلى 10/112).
وعن سعيد بن المسيب رحمه الله، قال: (أيّما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير إن شاءت فارقت وإن شاءت قرّت) ، (أخرجه مالك في الموطأ 2/563)، ولفظ ضرر يشمل كل عيب أو داء تتضرر منه المرأة ولو لم ينص عليه ، (فسخ النكاح بالعيوب والامراض، د. صالح الفوزان، ص 14).
وقال الزهري رحمه الله: يردّ النكاح من كل داء عضال، وعن معمر رحمه الله ذكر بعض العيوب في النكاح، فقال: (ما كان يشبهها فهو مثلها)، (أخرجها ابن حزم في المحلى 10/112)، وعَنْ قَتَادَةَ رحمه الله فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ، أَوْ دَاءٌ عُضَالٌ لَا يُعْلَمُ بِهِ، قَالَ: «هِيَ بِالْخِيَارِ إِذَا عَلِمَتْ» (أخرجه ابن ابي شيبة في مصنفه، 3/487).
فهذه الآثار اثبتت الخيار للمرأة إن ظهر مرض أو عيب في الرجل.
ومعلوم أنّ المرض المعدي يشبه هذا الأمراض، ويلحق بها من باب قياس الاولى؛ لتحقق علة رد النكاح بها فيه وزيادة: من منع الاستمتاع وإثارة النفرة وخشية تعديها إلى النفس والنسل، يقول ابن القيم : "وكيف يمكن أحد الزوجين من الفسخ بقدر العدسة من البرص، ولا يمكن منه بالجرب المستحكم المتمكن، وهو أشد إعداء من ذلك البرص اليسير، وكذلك غيره من أنواع الداء العضال؟". (زاد المعاد لابن القيم 5/168).
كما أن وجود المرض المعدي فإنه يمنع استيفاء الاستمتاع حسا وطبعا، وبذلك يفوت المقصود من النكاح، وكذلك ما يخشى تعديه الى الزوج السليم أو ذريته.
ومع وجود هذا المرض فإنه لا يسوغ ابتداء ايقاع الطلاق أو طلب التفريق بسببه، قبل التحقق من حقيقته، ولذا عندما يتنازع الزوجان بسببه، ويلجئان للقضاء، والرفع إليه شرط في سائر العيوب (مغني المحتاج للشربيني 4/344)، فإن القاضي سيقوم بتأجيل الحكم مدةً يُنتظر فيها رأي أهل الطب في زوال هذا المرض من عَدِمه، والمدة التي تستلزم ذلك وأثره على المعاشرة والحياة الاسرية للزوجين.
وقد حدد الفقهاء هذه المدة بعد ثبوت المرض في الزوج وأصبح للزوجة حق الخيار في طلب الفرقة عن زوجها، بأن يمهل الزوج لعلاج مرضه سنة عند جمهور الفقهاء ، وقيده الشافعية بطلبها: إذ لا يؤجل سنة إلا إذا طلبت الزوجة، واختار جماعة من الحنابلة منهم أبو بكر والمجد أن لها الفسخ في الحال (فتح القدير لابن الهمام 4/ 298، وشرح مختصر خليل للخرشي 3 / 240، ومغني المحتاج للشربيني 3 / 203 و306، والمغني لابن قدامة 7 / 603، والانصاف للمرداوي، 8/187)، واستدل الجمهور بما روي عَنْ عُمَرَ وعلى وابن مسعود رضي الله عنهم: «أَنَّهُ أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً، فَإِنْ أَتَاهَا، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا»(أخرجها ابن ابي شيبة ، 3/504)، وتابعه العلماء عليه، وأجمع المسلمون على ذلك.


احكام كورونا- احكام الاوبئة- الطلاق عند الوباء- الزواج والطلاق- طلاق المريض


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع